د. حمزة السالم
الاحتكار بالزمن (أي استخدام الزمن) هو الاحتكار المعروف وهو حبس السلعة عن نزولها السوق حتى ترتفع أسعارها. والتجارة في الشيء كتدوير الأراضي، تستخدم الاحتكار بالزمن إذا كانت السلع لا تفسد أو لا تقل قيمتها مع الزمن كالأراضي مثلاً (في الحالات الطبيعية). أو كالذهب والمعادن النادرة. فهذه لا يفسدها الزمن ولا يقلل من قيمتها. والنفط مثلاً قد يكون احتكاره خطأ في حالة احتمالية تدني الطلب أو زيادة العرض. والاحتكار بالزمن منفصلة أحكامه عن بيع السلعة المحتكرة، فيمكن أن تُباع السلعة المحتكرة بثمن حاضر أو بأجل، وذلك بخلاف الاحتكار في الزمن.
- أما الاحتكار في الزمن هو استخدام الزمن من أجل حفظ قيمة السلعة، أو الشيء المراد احتكاره للتجارة فيه. وهذا يُستخدم عند كون الأشياء المراد التجارة فيها لا تصمد كثيراً للزمن. (وبعض أنواع التحوط في المشتقات الحديثة، الذي غرضه حفظ القيمة هو من الاحتكار في الزمن).
والتحوط من أجل حفظ القيمة يكون بوضع المال الذي يفسد أو تقل قيمته كثمن لمال لا يفسد أو ليس من المتوقع أن تقل قيمته. ولأقرب هذا المفهوم للقارئ فإنك تجد أن الشخص في هذه الأيام عندما يريد أن يحفظ ادخاره النقدي من تناقص قيمته وخاصة في فترات التضخم المرتفع، فإنه يضعها في أرض أو في أصل حقيقي ليس من شأنه أن تتناقص قيمته كأسهم آمنة أو يضعها في أصل مالي آمن يعوضه عن تناقص قيمة ادخاراته كسندات حكومية أو ودائع بنكية. (مع مراعاة أن لا تكون هناك فقاعة أسعار، مما ينزل قيمها -بالنسبة للأصول الحقيقية أو تغير الفوائد أو درجة الائتمانية بالنسبة للسندات-).
والشاهد هنا أنه لا يفعل العكس فيضع الأصول الحقيقية كأراضٍ أو معادن ونحوها في نقد، ولا يضع الأصول المالية الآمنة في نقد، لأن النقد اليوم تتناقص قيمته. وهنا نستطيع أن نصل إلى نتيجة مهمة تفتح لنا باباً للتفكر في حكمة التشريع في أحكام الربا في حديث الأصناف الستة. فبعبارة جامعة فقهية الألفاظ نستطيع أن نقول إن النقد الحديث أضعف نسيئة من الأصول الحقيقية في الأحوال الطبيعية. وذلك بخلاف النقدين الذهب والفضة أيام التشريع. فالذهب والفضة قديماً كانا أقوى نسيئة من الأصناف الأربعة الأخرى. أي أصبر على الزمن من الأصناف الأربعة الأخرى. وفهم هذا مهم عند التأمل في الحكمة من تحريم النسيئة في أصناف الأقوات الأربعة بينها وبين بعض، بينما لا تحرم النسيئة بينها وبين الصنفين الآخرين وهما الذهب والفضة.
وكذلك يتبين لنا أن الاحتكار في الزمن (استخدام الزمن من أجل حفظ قيمة السلعة) هو أداة يتوصل بها إلى التجارة في الأشياء وتدويرها واحتكارها إذا كانت مما تتناقص قيمته. بينما الاحتكار بالزمن (الاحتكار المعروف وهو حبس السلعة عن نزولها السوق) هو أداة يتوصل بها للتجارة في الأشياء وتدويرها باحتكارها إن كانت مما لا تتناقص قيمته بالزمن.
وخلاصة معنى هذا هو: أن التجارة في الشيء هو تدويره دون الانتفاع به.. وعدم الانتفاع به يعنى عدم استخدامه أي احتكاره. والاحتكار يلزم له أن السلعة قابلة للتخزين وتحتمل. فإن كانت كذلك كالأراضي والحديد ونحوها فتكون التجارة فيها بالاحتكار بالزمن. وأما إن كانت قابلة للتخزين ولمن تتناقص قيمتها خلقة أو تنظيماً، فإنها تحتاج لوسيلة أو أداة أخرى تحفظ قيمتها وهذا يكون باستخدام الاحتكار في الزمن. (القابل للتخزين وتتناقص قيمته خلقة هو كالشعير والنقد الحديث).
ولذا تفرض الزكاة والضرائب على السلع القابلة للاحتكار بالزمن (كتخزينها) أو القابلة للاحتكار في الزمن (كالتحوط)، لتجعلها الزكاة أو الضريبة سلعاً تتناقص قيمتها بالتخزين أو الاحتكار.