محمد عبد الرزاق القشعمي
عرفت الأخ سعيد بن علي العنقري الزهراني قبل أكثر من خمسين عاماً، وبالتحديد أثناء حرب 67 بين العرب والعدو الإسرائيلي؛ إذ لقيته مصادفة في زيارة للرياض مع بعض زملائه مدرسي المعاهد الصناعية الذين سبق أن تخصصوا في المعاهد العليا والجامعات في أوروبا. وكان العنقري وعدد من زملائه قد تعلموا وتخصصوا في الكهرباء في فرنسا، وعادوا للمملكة للتدريس في معاهدها الرئيسية الموجودة في الرياض وجدة والدمام. وكان - كما علمت - عند عودته من فرنسا عام 1385هـ قد عُيِّن مدرساً بمعهد الدمام الصناعي متخصصاً في الكهرباء وعلومه. كنا مجموعة من الشباب المتحمس والمتابع لما يجري في جبهات القتال مع العدو الإسرائيلي، وكذا مقاومة أبناء جنوب اليمن للاستعمار البريطاني ومطالبتهم بالاستقلال. وكان الأخ سعيد من بينهم مع عدد من زملائه وغيرهم. وأذكر أنه قد أخذنا الحماس، وطرحنا موضوع مقاطعة البضائع الأمريكية والبريطانية، فما كان منهم إلا أن جمعوا الأقلام وعلب السجائر في صحن وأشعلوا فيها النار. وكادوا يلحقوا بها ساعاتهم لولا أن أفتى أحدهم بأنها سويسرية وليست من صناعة الإمبريالية. ذهب أحدهم بعد أن جمع مبلغًا من الحاضرين لشراء دخان عربي - فيلا دلفيا الأردني وكليوباترا المصري وأقلام ناشف صيني مع إحضار فول وخبز للعشاء.
بعد الحرب بشهرين علمت بانتقال المعلمين الشباب القادمين من فرنسا، وتجميعهم للتدريس في المدرسة الثانوية الصناعية بجدة، وكان من بينهم العنقري وأحمد النشمي وآخرون، وبالمصادفة أيضًا انتدبت في هذه الفترة للعمل بمكتب رعاية الشباب بجدة لثلاثة أشهر مع أحد الزملاء، وزرته مع ستة من زملائه في سكنهم بحي الشرفية بجدة، فعرض علي وعلى زميلي السكن معهم طالما أن المدة محدودة، وإمكانياتنا لا تسمح لنا بالسكن بالفنادق الشعبية. وهكذا بقيت معهم مدة الانتداب، فكنا نذهب آخر الأسبوع إلى البحر لصيد السمك، وكان العنقري يعمل مع أحد زملائه في ورشة لإصلاح الأدوات الكهربائية ولف الدينموات. وأذكر من باب الطرافة أن عشاءنا يقتصر على الفول مخلوطاً بالبيض وخبز التميس، وكانوا يسمونه الصبة لثقله على المعدة، ويُشبع قليله.
عدت للرياض، وبعد سنة علمت باعتقال مجموعة من الشباب لنشاطهم السياسي من مختلف مناطق المملكة، والعنقري أحدهم، الذي بقي في السجن أكثر من سبع سنوات، ولمرضه أُفرج عنه منتصف عام 1395هـ/ 1975م بعد وفاة الملك فيصل.
بعد شفائه استأنف نشاطه مع بداية الطفرة. ومع خبرته السابقة في الكهرباء فقد عمل أولاً مقاولاً بالباطن مع شركة (انكاس بونا) لتحسين طرق مدينة الرياض بإزالة الصخور ورصف الطرق والمشاركة في المشاريع المماثلة في هذا المجال، وذلك باسم مؤسسة المرزوقي كشريك له.
بعدها قرر أن يبدأ عمله الخاص بتأسيس مؤسسة الجهاز التي بدأت باستيراد الأجهزة الكهربائية الحديثة وغير المعروفة. وبحكم خبرته فقد لقي نجاحاً شجعه على الاستمرار والتنوع.
زرته في موقع المؤسسة بالرياض مع الشاعر علي الدميني أثناء إقامة المهرجان الوطني للتراث والثقافة، وتناقشنا حول فكرة إقامة حفل تكريم للأديب عبدالعزيز مشري بالباحة، وقد تبناه فرع جمعية الثقافة والفنون، وأنه يجري إعداد كتاب عن المحتفى به، يضم تعريفاً موسعاً عن نشاطه وإبداعه من مقالات وشعر ورسم وغيرها، فعرض علينا العنقري أن يتولى دفع تكاليف طبع الكتاب، وهكذا فقد ظهر كتاب يحمل اسم (ابن السروي).
عادت علاقتنا، وكنا نلتقي في مناسبات مختلفة، وأبو سامي ما زال على حيويته ونشاطه المعهود.. فقد احتفى بعدد من الأدباء، ودعاهم، وأقام لهم الولائم قبل عشرين عاماً، أذكر من بينهم الأديبان عبدالكريم الجهيمان ومحمد العلي، وغيرهم.
أصبح لقاؤنا بعد ذلك أثناء إقامة معرض الكتاب الدولي بالقاهرة، فكانت فرصة أن أسمع منه ومن غيره ما يخفى مما تعرض له من مصاعب وعقبات لم تثنه أو تقلل من عزيمته في الوصول إلى ما وصلت إليه مؤسسته من مستوى متقدم؛ وذلك بفضل طموحه وعزيمته وعدم استسلامه للمعوقات.
عرفت منه معاناته في طفولته بسبب سفر والده للعمل في فلسطين وهو طفل صغير في قرية (آل موسى) التي لا يزيد عدد سكانها على 400 شخص، وكانت الحرب العالمية الثانية بمآسيها، ولولا اكتفاء القرية بمنتجاتها الزراعية لسبّب ذلك لهم المجاعة، ولكن خاله سيحان الفاضل تولى تربيته إلى جانب والدته عسلة، وتولى خاله أيضًا بناء منزلهم وإدارة شؤونهم أثناء غياب الوالد في فلسطين.
عاد والده فأدخله المدرسة التي تبعد عن القرية فكان عليه وأترابه قطع الطريق مشياً. انتقل لمدرسة أخرى ببني سار، ومنها إلى قرية جافان حيث أسس فرعاً للمدرسة السلفية التي يوجد مقرها في بلجرشي بدعوى أنها ستكافئ الطلاب شهرياً. وبعد مدة اكتشف وزملاؤه أنهم مخدوعون؛ فترك المدرسة. ورافق والده إلى مكة في موسم الحج لبيع ماء زمزم، ولم يجدوا سيارة لتقلهم إلى هناك مما اضطرهم لقطع الطريق مشياً على الأقدام لعدة أيام إلى مكة.
وفي العام التالي وهو بالثانية عشرة من عمره زارهم أحد أبناء القرية بملابسه النظيفة غير المألوفة الذي يعمل بشركة (أرامكو) بالظهران، وقال لوالده: «لو يجي ولدك لرامكو شغلوه (بوي) ويدرس في مدارس الشركة»، فحاول مع والده أن يسمح له، ولكن في الوقت نفسه زارهم أحد أبناء عمه المقيمون بالرياض فرغب في مرافقته للعمل والدراسة، وهكذا فقد وصل للرياض وعمل في (شركة مصر لأعمال الأسمنت المسلحة) لحفر وركز أعمدة أول محطة كهرباء بالرياض، وكانت تسمى (شركة كهرباء الرياض وضواحيها) لحفر قواعد للأعمدة؛ فتحسن راتبه إلى 4 ريالات يومياً، بعد أن كان لمدة سنة ونصف السنة براتب يومي قدره 3 ريالات، ولمدة ثماني ساعات يومياً، ويسكنون العشش، ويبقون في مكان العمل أكثر من شهر. وفي إحدى المرات وجد في البطحاء لوحة تشير إلى المدرسة التجارية فحن للدراسة؛ فسجل بها، واشترى دراجة (سيكل) لتنقله إليها. في هذه الأثناء توفي الملك عبدالعزيز. ويذكر أن صالح الراجحي (التاجر فيما بعد) لديه صندقة صغيرة بالبطحاء (3 أمتار في مترين)، وبها صندوق تجوري، يضع فيه النقود، فكان مع غيره يذهبون إليه، ويعطيهم وصلاً بالمبالغ المحفوظة لديه.
درس بالمدرسة من السنة الرابعة الابتدائية، وتحسن مستوى عمله من الحفر وركز الأعمدة إلى تسجيل مقادير الأسمنت التي ترد لمقر العمل؛ فازداد راتبه إلى 5 ريالات. عند إنشاء شركة كهرباء الرياض انتقل للعمل بها، وتعرف على أحد المهندسين القادم من سويسرا (سوتر)، فاختاره من بين العمال لصغر حجمه لينزل إلى داخل الماكينة ليلحِّم الفلاتر، أو لربطها بالونش لإخراجها؛ ليتم تنظيفها وإعادتها لمكانها. وعندما سافر السويسري أرسل له شهادة بأنه يستطيع أن يقوم بعمله فأصبحوا يعتمدون عليه فبدأ راتبه اليومي يزداد من ستة إلى سبعة ريالات وهو ما زال مواصلاً دراسته الليلية. بعدها قرر دخول المدرسة الثانوية الصناعية فأصبح يعمل بالليل ويدرس بالنهار لوجود وجبة غداء ومكافأة تسعين ريالاً للطلاب، فأرهقه هذا العمل؛ وتعرض لمرض، اضطره لترك العمل مختاراً الدراسة عليه. ويقول إنه ذهب إلى مدير الشركة، وكان وقتها الأستاذ عبدالعزيز المعمر الذي شجعه على الدراسة، وقال له: إذا نجحت فوظيفتك محفوظة لك. وبدأت شركة أرامكو بالظهران توظف الطلاب لأول مرة في العطلة الصيفية براتب 150 ريالاً في الشهر، وتعاملهم بقسوة، ولا توفر لهم السكن المناسب مما اضطرهم لترك العمل، والعودة إلى بلدانهم دون استئذان. وفي العام التالي اضطرت الشركة إلى إسكانهم مع العمال الرسميين (انترمذت)، وهو أفضل من سابقه بكثير.
تخرج من الثانوية الصناعية عام 79/ 1380هـ/ 1960م فابتُعث مع الناجحين الأوائل إلى ثلاث دول، هي: فرنسا وإيطاليا وألمانيا، وكان نصيبه السفر للدراسة في فرنسا ومعه نحو 35 مبتعثاً، وزعوا على مختلف المعاهد للحصول على دبلوم تخصصات مختلفة، بقي في فرنسا ثلاث سنوات، وكان من أبرز زملائه لاستفادته السابقة من عمله في أرامكو، وتحسنت لغته الإنجليزية وثقافته؛ لأنه كان يرتاد مكتبة الشركة ليقرأ ما يناسبه مع تركيزه على الكتب التي لها علاقة بالكهرباء، وعاد للمملكة ليُختار مدرساً في المدرسة الثانوية الصناعية بالدمام، وقد جاءت بعثة فرنسية لإدارة المدرسة فاختارته مع بعض زملائه، وبعد سنتين انتقلت البعثة الفرنسية إلى المعهد الثانوي الصناعي بجدة فانتقل معها إلى هناك عام 1387هـ/ 1967م ولمدة ثلاث سنوات تقريباً. بعدها بدأت الاعتقالات السياسية بين الشباب من مختلف المناطق، وكان نصيبه منها سبع سنوات و3 أشهر متنقلاً بين سجون الباحة وجدة وأخيراً مكة، حتى أُفرج عنه.
ومع سنوات الطفرة بدأ بالرياض مع منتصف عام 1396هـ بالعمل مشاركاً غيره، ثم كوَّن رأسمال استقل به عن غيره، وكان بحكم خبرته الكهربائية يأخذ مقاولات في الكهرباء بالمنطقة الغربية، فأخذ أول مقاولة لمد خطوط الكهرباء في جنوب الطائف لمدة ثلاث سنوات، وأحضر لهذا الغرض 50 فنيًّا ومهندسًا من الصين الوطنية، ونجح، وكانت المقاولة بـ 26 مليونًا، انتهت بـ 41 مليون ريال.
عاد للرياض، وأسس مؤسسة الجهاز القائمة حاليًا، فبدأ باستيراد الآلات الكهربائية القديمة وتسويقها بالجملة والمفرق، إضافة لأخذه المقاولات الكهربائية.
وافتتح مكتبًا للطيران (وكالة سفريات الجهاز)، ولها سبعة فروع، وأماكن لعرض الأجهزة الكهربائية الدقيقة للتليفونات والإلكترونيات المختلفة، وافتتح فروعًا بالباحة وخميس مشيط وأبها؛ فبدأت المؤسسة تتوسع، ولكنه حصر أعمال المؤسسة بالكهرباء، وبخاصة العمل مع شركة كهرباء الجنوب، ودائماً تختار الشركة مؤسسة الجهاز على غيرها لثقتها بها، وهو المعروف بالعقد الموحد للهوائيات. وتحولت المؤسسة إلى شركة، ويوجد ثلاثة فروع للشركة في الرياض وجدة وأبها، والمقر الرئيسي بالرياض يديره ابنه سامي، وابنه الآخر أحمد يدير فرع جدة، أما ابنه الثالث زهير فما زال يعمل في البنك الفرنسي بجدة بعد تخرجه من الجامعة على أساس أن يكتسب خبرة في التعامل والعمل التجاري، وبعد فترة يتسلم عملاً تابعاً للشركة، أو يدير فرع أبها. والأستاذ سعيد العنقري كما يتضح يؤمن بالمثل الصيني الذي يقول: «علمني الصيد ولا تعطني سمكة كل يوم»؛ فهو يكلف أبناءه بمسؤوليات محدودة، ثم تكبر ويكبرون معها، فهو يعوّدهم على أمور كثيرة، منها الاعتماد على النفس، والانضباط في العمل، والاحتكاك بغيرهم ممن سبقهم بالعلم والمعرفة، وتحمُّل المشاق.. فقد عمل أبناؤه في بداياتهم مع العمل في شركات أخرى قبل أن يسلمهم مسؤوليات المؤسسة. فأبو سامي يعرف أن إغداق المال على الأولاد يجعلهم يغرقون في ملذات الحياة؛ ويتعودون على الترف الرخو؛ ويصابون بالخمول والخمود.. وكأنه يقرأ ما قاله حكيم ابن حزام لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب عندما قال له إنه ينوي أن يقرر لقريش أعطيات شهرية.. فقال له حكيم: «يا أمير المؤمنين، إن قريشاً أهل تجارة، ومتى فرضت لهم عطاء تركوا تجارتهم، فيأتي بعدك من يحبس عنهم العطاء فتكون التجارة قد خرجت من أيديهم».
فقد بدأ بابنه الأكبر سامي بعد تخرجه من جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، واشتغل في شركة (قروب شينيدر) ثلاث سنوات، بعدها عمل في شركة (جنرال إلكتريك) المحطة التاسعة على طريق الدمام ثلاث سنوات أُخَر، وأخيراً جاء لشركة الجهاز متسلحاً بالعلم والمعرفة، وبدأ كموظف عادي لمدة ستة أشهر، ثم العمل سنة ونصف السنة في مواقع العمل، وتسلم المسؤولية كاملة.
وأحمد بعد أن تخرج من جامعة (اد نبره) في بريطانيا عمل في شركة (اي، بي، بي)، وعملهم في محطة الربط قرب قطر بين المملكة وقطر، وكل يوم يسافر لمسافة 120 كم لمقر الشركة، ثم عمل في رأس تنورة، ثم ينبع، ثم في جدة قرابة أربع سنوات حتى احتاج إليه العمل بفرع جدة، ثم مديراً له.
والثالث زهير الذي تخرج من جامعة جدة تخصص إدارة واقتصاد بدأ العمل في البنك الفرنسي، وسيهيَّأ لمسك الأعمال المالية في الشركة.
وقال إن الشركة قد أوكل إليها إنشاء محطة كبيرة على مستوى الجزيرة العربية بقوة 500.000 فولت.
وقد تطورت أعمال الشركة؛ فأصبحت تقوم ببناء محطات لتحويل خطوط النقل الكهربائي، والآن تقوم بأعمال الكهرباء لدى شركة الكهرباء ووزارة الدفاع وشركة أرامكو.
وذكر أن أحد مشاريع المؤسسة هو إنشاء محطة كبيرة بتبوك بمبلغ 700 مليون ريال، ومجموع المشاريع التي تنفد الآن بما لا يقل عن 8 مليارات وأربعمائة مليون ريال ولله الحمد. وإن عدد العاملين بالشركة وفروعها يتجاوز 5000 خمسة آلاف عامل، ونسبة السعوديين 22 %، ودائماً الشركة ضمن النطاق الأخضر حسب تصنيف وزارة العمل.
بره بوالديه:
عندما كان سعيد منشغلاً في أعماله بالرياض، ومع تأسيس المؤسسة، كان يفكر في عائلته البعيدة عنه بالباحة، فكان يرسل لهم ما يساعدهم على متطلبات الحياة، فكان والده يذهب إلى تربة وقت صرام النخل، ويشتري كمية منه، ويعود بها للقرية ليبيعها، فكان ينشرها وينقيها ويفرز النوع الجيد وحده، والحشف والسواقط يضعها علفًا للحيوانات، فعندما تعثر البيع وقل وجود المشتري حتى ولو بلا ربح أحس بانعكاس ذلك على نفسية والده. وفي إحدى زياراته لهم شجعه على الاستمرار بإشغال فراغه ببيع التمر، فكان سعيد يبعث له أحد أصدقائه الذين لا يعرفهم والده فيشتري منه التمر مما شجع والده على الاستمرار بهذا العمل الذي زاد من نشاطه، وتغيرت حالته إلى الأحسن، وكان يتصدق بما يبيع به التمر.
وعندما استقر بالرياض أحضر والديه وأولاده ليسكنوا معه، وأحضر من يخدمهم، فكانت سعادتهم بمداعبة أحفادهم بالغة، فكان يذهب للمؤسسة مع طلوع الشمس، وبعد ساعتين من العمل يذهب ويشتري الفطور من فول وخبز وغيرهما، ويذهب للإفطار معهم، مع أخذهم آخر الأسبوع مع أولاده للتنزه خارج المدينة.
توفيت والدته عام 1402هـ، ودفنت بمقبرة النسيم بالرياض، فكان والده يزور قبرها الذي وضع به علامة يستدل بها عليه. وفي إحدى الزيارات وجد أن بعض المتطرفين قد أزالوا العلامة بدعوى أنها بدعة، فغضب وأوصى ابنه بعدم دفنه بعد وفاته إلا في القرية، وهذا ما حصل إذ توفي والده عام 1410هـ وعمره 106 سنوات، ونقل جثمانه وجميع أصدقائه بطائرة خاصة ليدفن بقرية آل موسى.
الأعمال الإنسانية:
بدأ يتلمس حاجة قريته وما ينقصها من خدمات فوجد أن أفضل شيء توسيع الطرق ليستفيد منها الجميع؛ إذ كانت ضيقة بحكم طبيعة الأرض، فكان كل من لديه أرض يتمسك بها، فأصبح يشترى الأراضي، ويعوض أهلها، ففتح طرقاً أخرى جديدة بالقرية.
وقد بنى الجامع الكبير ووسعه، ووجد الشباب بحاجة إلى ملعب لمزاولة الألعاب الرياضية؛ فاشترى أرضاً فوق مرتفع جبلي، أزاله مع إضافة أرض جماعية وجزء من أملاكه الخاصة؛ ليصبح ملعباً قانونياً، زاول به الشباب نشاطهم وقت فراغهم، وأضاف له فيما بعد كراسي ومدرجات وتحسينات ومرافق.. وقد كلف 13 مليون ريال.
وأقام بالمنطقة مبنى الجمعية الخيرية، وتقدر تكاليفها بـ21 مليونًا، أجره على وزارة الصحة بمليون وسبعة وخمسين ألف ريال سنوياً كوقفية للجمعية لتحقق أهدافها للمحتاجين.
وقد عمل أخيراً على إنشاء جمعية استهلاكية بمنطقة الباحة، تُنشأ لأول مرة، وتُعتبر خامس جمعية في المملكة للبيع والشراء، وذلك بعد أن رأى أن الدولة تدفع إعانة للتجار؛ ليستوردوا المواد الغذائية، ولكن الضحية هو المستهلك، وبخاصة ذوو الدخل المحدود، فرأى توسيع الجمعية؛ لتتمكن من الاستيراد مباشرة، وتكون مساهمات الأهالي لتعود عليهم بالربح، وتبيع المواد بالسعر المعقول الذي لا يثقل كاهل المواطن العادي. وخصص للجمعية إعانة بـ 200 مليون ريال، وهي تابعة لوزارة الشؤون الاجتماعية.
كما عمل كرسياً بجامعة الباحة لدراسة تطوير زراعة الزيتون في المنطقة؛ فالباحة منطقة زراعية، وتضاريسها لا تناسب الأرض المستوية؛ فالزيتون ينبت في الجبال ومدرجاته، ولا تكلف المزارع، ولا تتطلب ماء كثيراً؛ فالزيتون واللوز وفواكه أخرى تستطيع أن تعيش بأراضٍ بعلية.
وقد بدأ الكرسي عمله منذ سنتين، وهناك خبراء يدرسون هذا الموضوع، وقد بدأت بوادر النتائج تطلع، وخصص له نحو 5 ملايين ريال، واتفق مع الجامعة بـ 3.500.000 بثلاثة ملايين ونصف المليون، وإذا انتهى مشروع الزيتون سيبدؤون بمشروع تحسين إنتاج اللوز.
إضافة لأعمال إنسانية أخرى، منها كفالة بعض من يتعرضون لصعوبة تسديد ديونهم وغيرها.
كما تبنى بناء عدد من المساجد في أماكن مختلفة من المنطقة، آخرها بنى مسجد مستشفى الملك فهد بالباحة، واشترى سيارات لنقل الموتى.
وعند ذهابه للفلبين لمس أن المسلمين بحاجة إلى بناء مساجد فاتفق عن طريق السفارة السعودية على بناء 12 مسجداً هناك.
وساهم في إكمال بناء منشآت النادي الأدبي بالباحة بما يقارب 17 مليون ريال، واتفق مع المهندسين والشركات التي ستتولى إكمال ما بدأه النادي من بناء المنشآت ولم يستطع إكمالها، ومنها الصالة الرئيسة التي نفذت بطريقة خاطئة مما استدعى الأمر إلى مضاعفة كمية الحديد فتم إزالة السقف، وعمل آخر بمواصفات جديدة. وسيستغرق التنفيذ أكثر من سنة.
وتبنى مساعدة نادي جدة الأدبي بتكاليف إقامة الملتقى الرابع عشر المنفذ في الفترة 14 - 16/ 5/ 1437هـ بمبلغ 650 ألف ريال.
كما تبنى تسديد تكاليف طباعة مؤلفات عبدالعزيز مشري في حياته وبعد مماته - رحمه الله - بمجموعاته الروائية والقصصية.
كما تبنى تكاليف طباعة مجلة النص الجديد عندما كانت تصدر قبل عشر سنوات. علماً بأن العنقري قد رأس مجلس إدارة الغرفة التجارية بالباحة من عام 1426هـ ولمدة ثماني سنوات. وقد تولى رئاسة المجلس وليس بصندوق الجمعية أي مبلغ، وعند نهاية فترته ترك بصندوقها ستة ملايين وثمانمائة ألف ريال. وقد خطط لتنفيذ مشروع حيوي للغرفة، عبارة عن إقامة مبنى كبير على شكل برجين، يربطهما جسر، وفي أعلاهما مطعم للمناسبات.
وقد حاولت وزارة التجارة أن يرشح نفسه لفترة أخرى ولكنه رفض.
مما كُتب عنه:
o قال د. علي الرباعي بجريدة عكاظ في 11/ 7/ 2015م: «يعد رجل الأعمال الشيخ سعيد العنقري أحد رموز العصامية؛ فالطفل الذي خرج من قريته آل موسى في الثانية عشرة من عمره نجح خلال ثلاثين عاماً في أن يكون في مصاف أهم رجال الأعمال في عالمنا العربي. والعنقري إلى جانب رأسماليته مثقف عضوي، علاقته وطيدة بالكتّاب؛ إذ عاد في السبعينيات [الستينيات الميلادية] من القرن الماضي من فرنسا، وأسس مكتبة تضم أكثر من 640 كتاباً. وهو يجيد اللغتين الإنجليزية والفرنسية، ويعشق مسقط رأسه في منطقة الباحة؛ إذ أسهم بمشاريع تنموية وخدمة مجتمعية، بدءاً من إنارة قريته في التسعينيات الهجرية بالكهرباء قبل مجيء الإضاءة الرسمية، وليس انتهاء بإكمال مبنى النادي الأدبي بالباحة على نفقته... «. وقال على لسان العنقري: «.. وأكد أن ما يقدمه للمنطقة واجب علينا لأهلنا، وأقوم به بقناعتي واختياري وليس مفروضاً علينا من أي جهة أو طرف.. إلخ».
o ونشرت جريدة الحياة في 28/ 2/ 2016م: أثارت تغريدة للناقد المفكر الدكتور سعد البازعي في (تويتر) عن دعم رجل الأعمال سعيد العنقري نختار مما كتب: «.. وجاءت تغريدة الدكتور سعد البازعي بتأثير فعاليات (ملتقى النص) الذي أقيم في مدينة جدة، وأشاد في تغريدة أخرى بالكلمة التي ألقاها سعيد العنقري، وأكد فيها أهمية دعم المشاريع الثقافية. وأضاف البازعي في التغريدة ذاتها: علمت أن الرجل (العنقري) قدم مبنى لنادي الباحة الأدبي كلف 16 مليون ريال.. وقال البازعي بتغريدة أخرى: «يبدو أن أبناء الباحة من رجال الأعمال ضربوا مثلاً رائعاً وغير عادي في دعم المشاريع المختلفة في المنطقة، ومنها المشاريع الثقافية المختلفة».
o ونشرت (إطلالة الملتقى) النشرة التي خصصها النادي الأدبي بجدة بمناسبة إقامة ملتقى قراءة النص لعام 1437هـ: «النادي يشكر داعم الملتقى: يزخر الوطن في كل مناطقه بالأوفياء الذين يساهمون في دعم وتشجيع الثقافة وروافدها، والوجيه الأستاذ سعيد العنقري أحد هؤلاء الرجال الذين يسعدهم الحضور بالدعم دون منة أو دعاية.. ولقد كان لدعمه لملتقى النص الرابع عشر الأثر الإيجابي الكبير في نجاحه، والنادي الأدبي الثقافي بجدة رئيساً وأعضاء مجلس وجمعية عمومية يثمنون لسعادته هذا الدعم».
o واختتم رئيس نادي الباحة الأدبي الشاعر حسن الزهراني حديثاً له مطولاً، نشرته المجلة الثقافية - ملحق الجزيرة - في 5 / 12/ 1438هـ، وهو يتحدث عن مبنى النادي الجديد بقوله: «.. ولكن رجل الأعمال الشيخ سعيد العنقري الزهراني أنقذنا وأكرمنا وأكرم المثقفين بتبرع سخي، يتجاوز 17 مليون ريال، لإنهاء المبنى وتشطيباته. وتعاقد هو مع الشركات المنفذة مباشرة، ولم يسلم النادي ريالاً واحداً أو يكلفنا بمتابعة عمل في التنفيذ، بل هو من يتابع العمل بنفسه.. ».