قاسم حول
وقف مدير متحف الأرشيف في ألمانيا أمام جمع من الصحفيين وأعلن عن خوفه بعد أن تحولت ملايين الأمتار السينمائية إلى ذاكرات رقمية يحتفظ بها في متحف السينما. ومنذ زمن غير بعيد أي مع التطورات التقنية للصورة وللكاميرات وتقنيات المونتاج وبطاقة الذاكرة التي تندس داخل الكاميرا وهي بحجم شفرة الحلاقة القديمة. يتمثل الخوف في أن كل الأفلام التي كانت تشغل المباني كمكاتب للأرشيف أصبحت تلك المكتبات السينمائية وعلى مدى أكثر من مائة عام تحتويها صالة صغيرة وأن الأفلام محفوظة على أشرطة «دي سي بي» صغيرة ومحفوظة داخل فاترينات زجاجية. لكن كل هذه الصور، كل أولئك الممثلين الجميلين كل تلك المناظر الخلابة والديكورات التعبيرية والواقعية والجهود التي يبذلها الرسامون وصانعو الديكور .. كل تلك الإنجازات والشخصيات التي نراها في الأفلام هي ليست صورة فلا وجود لصورة الممثل ولا لصورة الديكور .. أنها معلومات رقمية على شكل نقاط وخطوط تتحول بواسطة آلية تقنية إلى صورة على الشاشة وبمجرد أن ينتهي العرض وتضاء الصالة لم يعد للممثلين مكان على شريط سينمائي سليلويدي كما السابق. هذا هو ما جعل مدير المتحف الألماني يصاب بالرعب الحقيقي. إن سقوط قطعة مواد بلاستيكية تضم عشرات الأفلام من يد موظفة الأرشيف واهتزازها على الأرض قد تمحو كل المعلومات التي بداخلها وبذلك تضيع مئات الأفلام من الذاكرة الرقمية وتصبح في عالم العدم، عالم اللاشيء. وبقدر ما وفرت لنا التقنية سهولة نقل الفيلم وسهولة الحفظ والأرشفة لكنها مهددة بالضياع لعدم وجود صورة للممثلين وللديكورات والأزياء يمكن أن يراها الإنسان بعينه المجردة .. وهنا يطرح السؤال .. ماذا سيكون مصير الأفلام السينمائية التي كانت ثمة طرائق للأحتفاظ بها والمتمثلة في فيلم السليلويد السالب والموجب والأفلام الوسطية التي منها تتم طباعة الأفلام. هو صراع التقنية الحديثة مع التقنية القديمة .. لقد اختفت أحواض تحميض الأفلام وأغلقت معامل «كوداك الأمريكية وفوجي اليابانية» أبوابها ولجأت إلى الذاكرات التي تحول الجهد الإنساني إلى نقاط وخطوط تتحول بتقنية وآلية خاصة إلى صورة تظهر على الشاشة يراها المتفرج وتختفي بمجرد أن تضاء صالة العرض.
مدير المتحف الألماني يعبر عن خوفه بعد أن تم إنجاز تحويل أفلام السليلويد السينمائية إلى معلومات داخل علب مغلقة. الآن ثمة حيرة إزاء ما يجري حقا. لقد ضاقت هوليوود بأفلامها واتجهت نحو الديجيتال فعرضت عليها شركة «سوني اليابانية» شراء كافة الأشرطة السينمائية التي كانت محفوظة في مخازن هوليوود النظامية والتي تحتفظ بنوعيتها السينمائية وكأنها صورت بالأمس، أشترتها شركة سوني وحولتها إلى ذاكرات رقمية ومعلومات، ولكنها خزنت حقبة من التاريخ السينمائي ضمن شروط الحفظ النظامية للسليلويد، وسوف يسجل التاريخ لهذه الشركة مبادرتها هذه، وهي بالتأكيد تعتبر في ذات الوقت صفقة تجارية ستظهر نتائجها في الغد، إذ أن الأفلام السينمائية التقليدية الإنتاج هي ثروة لأنها صورة وليست معلومات عن صورة .. هي صورة حقيقية يستطيع الفنان أن يشاهدها على الشريط السينمائي بعينيه وليست غموضا لا يستطيع الإنسان معرفته سوى أن يضعه في جهاز يقرأ المعلومات وينقلها للعين على شكل صورة .. أنه الخوف المشروع الذي انتاب مدير متحف الصورة في ألمانيا .. الخوف من حقيقتين حقيقة الصورة التي تتحول إلى معلومة غامضة والخوف الثاني ماذا يعمل بكل تلك الأشرطة السينمائية التي تم تحويلها إلى معلومات على أشرطة «الدي سي بي» هذا الخوف لا يساور العرب لأنهم غير معنيين بالتاريخ ولا معنيين أساسا بالجغرافيا .. فترى الأشرطة السينمائية في علب صدئة وفي مخازن مثقوبة السقوف تنزل عليها الأمطار وقد أحرقت بعض البلدان تاريخها وتخلصت من كل تلك الأشرطة السينمائية التي سجل عليها تاريخ هذه الأمة .. ومطلوب ألغاؤه!