د. أبو أوس إبراهيم الشمسان
عرفت اسم أستاذي الدكتور حسين نصار الذي توفي يوم الأربعاء 29/ 11/ 2017م حين كنت طالبًا في قسم اللغة العربية (كلية الآداب-جامعة الملك سعود)؛ إذ كُلّفنا العودة إلى كتابه (المعجم العربي: نشأته وتطوره)، وهو رسالته للدكتوراه التي نوقشت سنة 1953م، وطبعت الكتاب في مجلدين مكتبة مصر أول مرّة على نفقة التاجر السعودي حسن الشربتلي سنة 1956م، وكانت ريادة الكتاب وإحاطته بضروب التراث المعجمي كاشفًا عن نشأته وتطوره سببًا قويًّا لإقدام الباحثين والقراء إلى اقتنائه والحرص على قراءته أو تصفحه؛ ومن أجل ذلك تكررت طبعات الكتاب، لعل آخرها عام 1999م.
تشرفت بلقائه في قسم اللغة العربية (كلية الآداب-جامعة القاهرة) ودرست مع زملائي من طلاب اللغة والأدب مقرر تحقيق النصوص، أُعطينا في البداية ملزمة من الأوراق لا تتعدى عشرين ورقة، فتعجبنا من قلتها، واستسهلنا أمرها، حتى إذا جاء أستاذنا حسين نصار وجدنا أن هذه الوريقات ما هي إلا متن يزوي رؤوس أقلام، وما هي سوى مفاتيح لمسألة بالغة الدقة هي تحقيق النصوص، وكان أستاذنا ينطلق من معرفة نظرية تُسعدها خبرة طويلة عميقة بالتحقيق، ورأينا أنفسنا نحال إلى مراجعة كتب أخرى تراثية وحديثة، ومن أهم هذه الكتب وأنفعها كتاب (أصول نقد النصوص ونشر الكتب) لبرجشتراسر.
سجلنا في دفاترنا أضعاف تلك الملزمة، وما اضطررنا إلى قراءته أكثر. والحق أن الزاد النظري في أمر التحقيق كان وافرًا؛ ولكنه لم ينل حظًّا من التطبيق العملي.
وقد استفاد بعض زملائنا من هذا الزاد النظري عند تجربته للتحقيق، أما أنا فقد هبت الخوض في غمار التحقيق وتجنبت تكاليفه، وعلى الرغم من حثّي أستاذي المرحوم حسن شاذلي فرهود تعللت بجهلي هذا الميدان.
كان أستاذنا الدكتور حسين نصار دقيقًا في مواعيده حريصًا على محاضراته؛ إذ لم يخرم منها واحدة حتى انتهت السنة التمهيدية، بخلاف أستاذ آخر لم نلتق به سوى ثلاث مرات واكتفى بتزويدنا بمذكرة هي عمدة الدرس.
ومن آيات دقته وحرصه أني رأيته رأي العين في دار الكتب يجلس إلى المكلفين بنسخ مخطوطات ديوان ابن الرومي ليقرأ كلمة كلمة.
والدكتور رحمه الله يحفظ لأهل الجهد حقهم، فتراه يذكر اسم من شارك في العمل مهما قلت سهمته من ذلك. تنوعت جهود أستاذنا تأليفًا وتحقيقًا وترجمة، فأثرى المكتبة العربية بطائفة من الكتب المرجعية التي أعانت طلاب العربية والبحث العلمي، وإن يكن كتابه عن المعجم العربي من أعظم مؤلفاته وأشهرها فإن تحقيقه (معجم تيمور الكبير في الألفاظ العامية) في 6 مجلدات عمل جليل شاقّ، وأما المقدمة التي كتبها بين يدي المعجم فهي بحث معمق في تاريخ التأليف في هذا الجانب اللغوي المهم، وكذلك تحقيقه (ديوان ابن الرومي) في 6 مجلدات يشهد له بغزارة علمه ودقة عمله، وكذلك حقق طائفة من الدواوين.
وترجم أستاذنا عددًا من الكتب منها (مصادر الموسيقى العربية) 1989م، و(تاريخ الموسيقى العربية) 1956م، و(الموسيقى والغناء في ألف ليلة وليلة) 2010م، وكلها لفارمر.
و(ابن الرومي: حياته وشعره) 2011م، لروفون جست.
و(دراسات عن المؤرخين العرب) 2010م، لمرجليوث، و(المغازي الأولى ومؤلفوها) 1949م، لهورفتس.
وكان لي شرف زيارته منزلي في الرياض هو وأستاذنا الدكتور شوقي ضيف رحمهما الله رحمة واسعة.