علي الخزيم
مشهد مخجل لرجل بمرحلة الشيخوخة أي بين الستين والسبعين استوقف أحد اقاربه الذي كان يستقل سيارته بصحبة أحد الأصدقاء وطلب ايصاله لموقع قريب، وحين استوى راكباً عرَّفه الشاب بصديقه بأنه فلان من القبيلة الفلانية، فاستشاط الرجل غضباً وتلفظ بعبارات عنصرية نابية تجاه تلك القبيلة وقبائل أخرى مقللاً من شأنها، وطلب من الشاب إنزال صديقه وطرده، وأصر على موقفه رغم محاولات الشاب لثنيه عن هذا التصرف، غير أنه اخذ يكيل مزيداً من الشتم مستخرجاً مخزونه العنصري الممقوت، وانتهى المقطع المُصوَّر دون ايضاح للنهاية، ولا يمكن ان يكون المشهد تمثيلياً لأنه كما يبدو عفوياً تلقائياً لا يحمل أي تكلف بمجريات الحوار والحركات، كما يُستبعد ظهور أحد بمشهد تمثيلي بهذه الطريقة العدوانية العنصرية ضد (بعض) القبائل وتنزيه نفسه من النقائص وتصنيف قبيلته على قمة الطهارة وعلو الشأن.
أرى أن ما عشعش بعقل ومشاعر الرجل المسن هو بقايا موروثات بائدة عجز عن التخلص منها لبقائه طيلة هذه السنين في دائرة اجتماعية معيشية نمطية واحدة دون تجديد وتغيير؛ ومع تكرار الحديث وترديد روايات واساطير عنترية بطولية مزعومة كلٌ ينسبها لأجداده؛ تتراكم هذه الخرافات لتكوِّن عند مثل هذا الرجل ـ البسيط بفكره مع التقدير لشخصه ـ ما يشبه الحقائق والوقائع المثبتة لكنها بواقع الأمر أساطير وقصص منسوجة لمدح وتعزيز بعض الشخصيات التي كانت على رأس القبيلة والمشيخة في أزمنة مضت وولَّت؛ ثم مع التكرار يتخيل المتأخرون انها وقعت فعلاً فيتمسكون بها كحقائق مسجلة لهم دون غيرهم مع أن كل هذه القصص تتشابه تقريباً عند الرواة الذين نسجوها اصلاً ومن زادوا عليها لاحقاً بما يوائم واقع عصرهم وليمكن تقبّلها من الأجيال اللاحقة، اذن هي تُصَنَّف كخرافات لا أصل لها بالغالب، إلا ما ندر وما تم توثيقه من قصص الابطال بجزيرة العرب وغيرها.
هذه الخرافات والأساطير البائدة اذا تم توظيفها بمثل ما أبداه وصرح به الرجل العنصري المُسن الذي اختمرت بعقله ووجدانه وحسِّه هذه الموروثات الملوِّثَة للعقل وللروابط الاجتماعية الإنسانية فإنها - برأيي - تندرج ضمن وسائل الفساد الاجتماعي التي تجب محاربتها واقتلاعها من المجتمع السعودي والخليجي بشكل عام، بل والعربي إذ ان شوائب عنصرية لا زالت تظهر بين حين وآخر بأوساط اجتماعية عربية تنقلها الاخبار، مما يستدعي التنوير والتثقيف الجمعي بشأنها لأنها من وسائل إفساد الأسر والمجتمعات، والامثلة عندنا تتكرر بمثل الحالة التي أتحدث عنها، وتجدون امثالها أمام المدارس بعد الظهر، وقي التجمعات الشبابية والمناسبات الاجتماعية، بل لا تستغرب حينما أقول إنها تعصف بفئات دينية ومن يسمون أنفسهم بالمدارس الفكرية حيث تشتعل المنافسات لاستقطاب الاتباع بوسائل منها العامل العنصري والقبلي وما يتبعها من العرق واللون إلى آخر وسائلهم، مما يبث الكراهية والاحقاد وتعكير صفو النفوس وفقدان التواد والمحبة بين الاخوة وأبناء منطقة أو إقليم واحد.
وعليه: فيا حبذا لو هبَّت عاصفة حزم لمحاربة المظاهر العنصرية بقوانين رادعة.