د. عبدالحق عزوزي
معارضة أمريكا والكونغرس الأمريكي لإنشاء الدولة الفلسطينية مسألة مفهومة عند المهتم بالعلاقات الدولية والمتتبع للأحداث العربية والدولية، ولكن ما هو فهم المبتدئ والطالب في مجال العلاقات الدولية أو الإنسان العادي الذي يكتفي بقراءة أو متابعة الأخبار في التلفاز؟.. فطلبتنا مثلاً في الجامعات عندما ندرس لهم مواد حقوق الإنسان والحريات العامة والسبق الأمريكي والأوروبي في إصدار الإعلانات الدولية في مجال حقوق الإنسان غالباً ما يطرحون ألف سؤال عن هذا النفاق الدولي المتمثل في الدفاع عن دولة الاحتلال-الاستعمار الإسرائيلية وما تقترفه من انتهاكات لأبسط حقوق الإنسان في حق شعب انتهكت حرماته وسلبت حقوقه وهجر من أرضه، ثم في المقابل يدعون سائر دول المعمور إلى احترام حقوق الإنسان ويصدرون التقارير الواحدة تلو الأخرى وتترجم إلى العشرات من اللغات وتقام الندوات الدولية وتجتمع المنظمات الدولية وغير الحكومية لتوزيع النقاط والأرقام.. فأمريكا هي التي استعملت أكثر من أربعين مرة حق النقض الفيتو في مجلس الأمن لوقف كل القرارات المنددة والمنتقدة لإسرائيل.. والمبتدئ كما المتضلع في مجال العلاقات الدولية ستزداد قناعته الفهمية عندما يقرأ هاته الفقرة في كتاب أحد رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية السابقين جيمي كارتر (فلسطين: السلم لا الميز العنصري): «هناك عاملان أساسيان ساهما في طول أمد العنف والانتكاسات الإقليمية: موافقة البيت الأبيض هاته السنوات الأخيرة على الأفعال غير القانونية لإسرائيل، مدعمة من طرف الكونغريس الأمريكي، ولا مبالاة القادة الدوليين. هناك في إسرائيل حوارات اجتماعية وإعلامية لامتناهية عن السياسة التي يجب اتباعها في الضفة الغربية، ولكن بسبب قوة اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة الأمريكية، نادراً ما تنتقد السياسات الإسرائيلية، كما أن الأمريكيين في غالبيتهم يجهلون الأوضاع في المناطق المحتلة. وفي سنة 2003، استغرب الأمريكيون وأغضبهم استطلاع رأي قامت به جريدة محترمة (International Herarld Tribue)، حيث استجوبت ما يزيد عن 7500 مواطن من الدول الأوروبية، واعتبروا أن إسرائيل تشكل بحق تهديداً للسلم والأمن العالميين أكثر من كوريا الشمالية، إيران أو أفغانستان»، ولتحقيق السلم بين الإسرائيليين والفلسطينيين، دعا الرئيس التاسع والثلاثين للولايات المتحدة الأمريكية في نهاية كتابه إلى احترام الشرعية الدولية وتطبيقرارات مجلس الأمن، يعني القرار 242 (1967) والقرار 338 (1973)، وبمعنى آخر الرجوع إلى حدود 1967. وبعد دراسته للقضية الفلسطينية في كل الكتاب، ندد الرئيس جيمي كارتر منطق الميز العنصري المطبق الذي يمنع كل تطور اقتصادي للفلسطينيين حيث كدر صفو حياتهم وسلب أرضهم ودمر صروح حضارتهم وتطورهم وعرقل مسيرة تنميتهم.
ومعنى هذا الكلام أنه بموافقة البيت الأبيض على الأفعال غير القانونية لإسرائيل، مدعمة من طرف الكونغريس الأمريكي، ولامبالاة القادة الدوليين، وهذا كلام لرئيس دولة أمريكا يعي ما يقول، فان المقاومة تبقى هي الحل وان المفاوضات لن تسمن ولن تغني من جوع... ولكن للأسف فآليات الصراع الدولي في هذا النظام الدولي الجديد تجعل من هاته المقاومة وهذا التصور منحى صعباً بسب عدم توازن القوى بين الأطراف المتصارعة ومساندة أقوى دولة في العالم للطرف الإسرائيلي، ومما يزيد الطين بلة أنه مع إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، فإن ذلك يمثل إعلانا بانسحاب الولايات المتحدة من ممارسة الدور الذي كانت تلعبه خلال العقود الماضية في رعاية عملية السلام. وتكون بذلك الولايات المتحدة الأمريكية قد اختارت أن تخالف جميع القرارات والاتفاقات الدولية والثنائية وفضلت أن تتجاهل وأن تناقض الإجماع الدولي الذي عبرت عنه مواقف مختلف دول وزعماء العالم وقياداته المختلفة. كما أن هذا الإعلان الأمريكي يمثل مكافأة لإسرائيل على تنكرها للاتفاقات وتحديها للشرعية الدولية وتشجيعاً لها على مواصلة سياسة الاحتلال والاستيطان والأبارتايد والتطهير العرقي.
الصحوة الأوروبية والعالمية (أكثر من 135 دولة تعترف بفلسطين) يجب أن تشجع الفلسطينيين اليوم في السير بعيداً بقضيتهم المشروعة وفي الوقوف ضد كل المؤامرات الخارجية بما فيها الأمريكية منها.. والضبابية المحيطة اليوم في السياسة الخارجية الأمريكية تجعل حتى أقرب الحلفاء لا يعتمدون عليها لأنه يصعب أكثر فأكثر التنبؤ بما يمكن أن تقوم به الولايات المتحدة الأمريكية وتداعيات ما تقوم به، وهي التي ترغب أن تتربع على كرسي دركي العالم المتزن والنافذ ولكن ببوصلات عقاربها تسير عكس مسار التاريخ، ولله الأمر من قبل ومن بعد.