محمد آل الشيخ
أعلن الرئيس الأمريكي ترامب عن نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، وغني عن القول إنّ قراراً كهذا، ومن دولة عظمى مثل الولايات المتحدة، يصب قطعاً في مصلحة إسرائيل، سيما وأنّ أهم المبررات التي ساقها الرئيس الأمريكي لقراره، كان الاعتراف بالواقع. والرضوخ للواقع ليس دائماً قراراً صحيحاً، إذا كان هذا الرضوخ سيكون له تبعات خطيرة، قد تعقِّد القضية بدلاً من حلها، وهذا ما أتوقع أن يكتنف مستقبل قضية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، كما سيعطي أعداء الغرب عموماً، والولايات المتحدة خصوصاً، كثيراً من المبررات لحشد معارضين ومناوئين للغرب، سيما وأنّ أغلب دول العالم، بما فيها أغلب الدول الأوربية الفاعلة،، يتحفّظون على قرار كهذا.
نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس كان قد وافق عليه الكونجرس الأمريكي إبان عهد الرئيس كلينتون، لكنه أرجأ التنفيذ لمدة ستة أشهر، ثم مددها لفترة مماثلة، وأصبح الإرجاء لستة أشهر تقليداً متكرراً طوال عهد الرئيس باراك أوباما. والسؤال الذي يثيره السياق : لماذا أقدم الرئيس دونالد ترامب على هذه الخطوة، رغم أنّ بإمكانه أن يحذو حذو من سبقوه؟.. هناك الكثير من الدوافع لهذا القرار، غير أنّ هناك في تقديري سبب جوهري، شجع الرئيس الأمريكي للوفاء بوعده الذي قطعه على نفسه إبان حملته الانتخابية، ومؤداه الضعف غير المسبوق الذي اكتنف الصف العربي، بسبب الثورات والقلاقل والفتن التي واكبت ما يسمّى (الربيع العربي)، فالعالم العربي، وربما الإسلامي أيضاً، أصيب بقدر كبير من الضعف والوهن، بعد تلك الثورات الدموية، والقلاقل، ما جعل كلمة العرب تتشظى إلى أصوات متعددة، مواقف متنافرة؛ خذ مثلاً الفلسطينيين، فقد كانوا أكثر قوة في الماضي، عندما كانت (فتح) هي الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني، وبدخول الصوت المتأسلم، وبالذات حماس الإخوانية وحركة الجهاد الإسلامي الفلسطينيتين، أصبح ممثلو الفلسطينيين أكثر من طرف، كل طرف يكيل للآخر من العداء، فضلاً عن التشكيك في النوايا والأهداف، ما الله به عليم، الأمر الذي جعل الصوت الفلسطيني، مشتتاً، بل وممزقاً إلى درجة غير مسبوقة في تاريخ النضال الفلسطيني. والتشتت والخلافات أنهكت الصوت الفلسطيني، وأضعفت اتحاد الكلمة، وبالذات في المحافل الدولية؛ والمتأسلمون بالذات، وحركة حماس الإخوانية على وجه الخصوص، عادة ما يكونوا بارعين في حشد الأضداد والمناوئين لقضيتهم، هذا إذا افترضنا (جدلاً) سلامة النوايا، مع أني أشكك في نوايا وصدق المتأسلمين من حيث المنطلق، ففي رأيي كل من يمتطي الدين في القضايا السياسية، كما علّمتنا التجارب لا يمكن أن نثق به.
بقي أن أقول إنّ محاولات بعض المتأسلمين، ومعهم أيضاً اليساريون الفلسطينيون، تحميل المملكة وبعض دول الخليج، المسؤولية؛ فهذا بالمختصر المفيد كذب وافتراء إذا لم يكن وهماً فارغاً، تنفيه الوقائع على الأرض وتدحضه جملة وتفصيلاً، فالمملكة ليس لها أي علاقات مع إسرائيل من أي نوع، وكل المقولات التي تردد أنّ ثمة علاقات سرية هي افتراض محض، ويكفيك أن تقرأ بيان الحكومة السعودية عن نقل السفارة إلى القدس، لتعرف أنّ مواقفها هذه هي من ثوابتها التي لا تقبل التنازل عنها، في حين أنّ تركيا أردوغان مثلاً التي يقدمها المتأسلمون على أنها الصوت المناوئ لنقل السفارة، تربطها بإسرائيل علاقات دبلوماسية متينة، ولدى تركيا سفارة في تل أبيب، وهناك تعاون استخباراتي (تحت الطاولة) بين البلدين، وهذه الأمور يعرفها كل من رصد تاريخ العلاقات التركية الإسرائيلية، وكذلك الأمر بالنسبة لتابع تركيا قطر، التي وافقت على فتح مكتب تمثيل لإسرائيل في الدوحة، ناهيك عن زيارات الحمدين الموثقة بالفيديو لتل أبيب.
نقل السفارة أصبح واقعاً، والمطلوب من العرب لمواجهة هذا الواقع المؤلم، ليس العويل واللطم والصريخ، وإنما إعادة الصوت العربي إلى ما كان عليه من الوحدة قبل كارثة الربيع العربي.
إلى اللقاء..