جاسر عبدالعزيز الجاسر
ما إن تبدأ الدول العربية بالتعاون، أو بالتعامل مع ما يحدث من متغير بسبب حدث كبير يؤثر على التوجهات الاستراتيجية حتى تبتلى بحدث آخر لا يقل خطورة أو تأثيراً أو حتى أكثر تأثير من سابقه.
فالدول العربية لم تفق بعد من جريمة اغتيال الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح، ومحاولة إجهاض إعادة اليمن إلى البيت العربي بعد اختطافه من الحوثيين ذراع ملالي إيران الإرهابي، يصعّد الرئيس الأمريكي ترامب المصاعب التي تتكالب على العرب، بتنفيذه وعده الانتخابي بنقل سفارة أمريكا إلى القدس، وتجاوزه لكل المشاعر العربية والإسلامية بمنحه هذه المدينة المقدسة لدى المسلمين والمسيحيين على حد سواء، والتي تمثل بعداً روحياً ورمزاً في وجدان المسلمين والمسيحيين معاً، كون القدس تضم المسجد الأقصى وكنيسة القيامة وأن القدس أول قبلة للمسلمين ولهذا فإن الرئيس الأمريكي الذي منح ما لا يملكه إلى قوم لا يستحقونه والذي يمس وجدان مليارات البشر من المسلمين والمسيحيين، وإذ لا يزال رفض المسيحيين لقرار ترامب ليس بالوضوح والحدة التي تميزت به مواقف الدول الإسلامية والعربية والفلسطينيين بصفة خاصة.
مواقف الرفض الشعبية والرسمية التي أجمعت كلياً من جميع الدول والحكومات إذ لم يؤيد موقف ترامب سوى إسرائيل التي أشاد رئيس حكومتها نتنياهو أما قادة الدول الأخرى بما فيها حلفاء أمريكا فقد رفضوا قراره ورأوا فيه توريطاً لهم وللدول الغربية والدول الصديقة لأمريكا، فبريطانيا وفرنسا رفضا خطوة ترامب التي تعد نسفاً للاستقرار الهش في الشرق الأوسط فيما رفض الاتحاد الأوروبي الذي يضم جميع الدول الغربية والشرقية في أوروبا، خطوة ترامب التي عارضتها أيضاً مستشارة ألمانيا واعتبرتها الدولتان العضويتان الدائمتان بمجلس الأمن الدولي روسيا والصين بأنها خطوة غير موفقة للرئيس الأمريكي ورفضتها بشدة كما رفض الأمين العام للأمم المتحدة إجراء ترامب المثير للقلق.
الإجماع الدولي الرافض للتصرف الأحمق للرئيس الأمريكي تصاعد بحدة عربياً وإسلامياً ونادت الدول العربية والإسلامية بسرعة لعقد اجتماعات لقادة الدول ووزراء خارجيتها للتعامل مع خطوة ترامب التي وإن كانت متوقعة إلا أن الجميع اعتبرها مفاجأة كونهم كانوا ينظرون إلى «تعهد ترامب» في حملته الانتخابية، كوعد للتسويق وكسب «الآلة الانتخابية الصهيونية» المنظمة والتي تضم اللوبي الصهيوني وعدداً من مؤسسات الإعلام وأجهزة الضغط، وأنه مثل ما سبقه من الرؤساء الأمريكيين سيتجاوز هذا الوعد، إلا أن ترامب المحاصر بالعديد من التحقيقات التي تطال أقرب مستشاريه، رأى أن يستفيد من الآلة الدعائية الصهيونية وأدواتها في أمريكا ومساعدته داخلياً.
ترامب الذي طبعا لا يهمه مصلحة العرب ولا يراعي غضب العرب وحتى المسلمين، طالما تقف معه الجماعات الصهيونية وإدارات الضغط السياسي في أمريكا ويسهل له تجاوز حصار التحقيقات وأن كل ذلك يتم على حساب سلب حقوق الفلسطينيين التي ظلت أكثر من مئة عام ولا أحد يقف معها، والغرب عموماً بكل دوله بدءا من بريطانيا إلى أمريكا يريدون التخلص من اليهود بإرسالهم إلى أرض فلسطين واليوم يوظفهم ترامب لتحصين موقفه ومساعدته للإفلات من التحقيقات، وأيضا على حساب الحقوق المشروعة للفلسطينيين.
ماذا سيفعل العرب والمسلمين لإجهاض وإفشال إجراء ترامب...؟!
ذلك ما ينتظره الجماهير العربية والإسلامية وفي مقدمتها الجماهير الفلسطينية.