حين ترتبط بأولى القبلتين وثالث الحرمين، وحق الأشقاء في الحرية وتقرير المصير، بعد طول نضال ومعاناة، ومواجهة أعتى آلات القمع والتغييب والإلغاء، تملي خدوش الضمير إعادة تعريف المعرف كنور شمس لا بد أن تسطع يومًا، والتأكيد على ثوابت تستعصي على الغياب رغم اختلالات موازين القوى.
أول ما يستحق القول بعد إعلان القدس عاصمة لإسرائيل الذي كان له وقع الصاعقة على الآذان أن علاقتنا مع هذه المدينة علاقة روحية ترتبط بالوجدان غير الخاضع لحسابات السياسة.
هي مسرى رسولنا الكريم في رحلته إلى السماء، فيها ثالث الحرمين، وبعض ما جاء في آيات النور التي يميز حفظها وقراءتها المسلم عن غيره من الكائنات التي خلقها الباري عز وجل.
منذ فجر التاريخ وحتى يرث الله الأرض وما عليها، كانت القدس وستبقى ممرًا للغزاة والفاتحين، وقبلة للشرفاء والمجاهدين من خلق العلي القدير، الباحثين عن وقفة عز ومرضاة الخالق عز وجل.
لا تكتمل الهوية العربية والإسلامية إلا بها، لم يخلق في الأمتين القادر على التفكير بالتفريط بمقدساتها، أو نسيانها، ولا معنى لتصالح العربي والمسلم مع ذاته دون أن تلح عليه في صحوه ومنامه.
في التاريخ دروس وعبر لا يمكن معرفة الواقع وقراءة المستقبل إذا كابرنا عليها أو تجاهلناها وندفع أثمانًا كبيرة أو صغيرة حين نخطئ في تفسيرها وحتى التعامل معها بانتقائية.
وحين يجري الحديث عن دروس التاريخ لا بد أن تحضرنا حقيقة حركية الزمن وصيرورته، وفي ذلك ما يفيد بخرافة دوام لحظات الضعف وإن طالت في حياة الأمم ومن بينها أمتينا العربية والإسلامية.
بين الحقائق التي لا يمكن تجاوزها حين نلتفت للزمن قديمه وجديده أن لأمتنا رسالتها الخالدة في إحلال قيم السماء التي تشبعت مدينة القدس بنورها لتضيء أرواحنا.
يحضرنا في هذا المقام الالتفات إلى احد العناوين الثابتة للزمن المتحرك وهو المقاومة التي يصر عليها الشعب الفلسطيني في بيت المقدس وأكنافه دون التفات إلى عوامل القوة والضعف في المعادلة المتغيرة.
ورغم كل عوامل الفرقة والضعف التي تشهد أمتنا على تفاقمها منذ عقود ما زال لدى القدس قدرتها على توحيد ضمائرنا وإعادة توجيهها لحسم التناقض الرئيس والانتصار لقيم الدين والعدالة والانحياز للضمير الإنساني.
أمام المادي والمعنوي من هذه الحقائق الأكثر تماسكًا من صخرة البازلت تنكسر موجات الوعود والإعلانات الباهتة وترتد إلى أعقابها خائبة ليعيد أصحابها النظر بما اقترفوه من تجاهل لمعطيات ووقائع.
قالوا منذ زمن: لن يضيع حق وراءه مطالب، وما زال لدى شعوب أمتنا القدرة على تجاوز ضعفها والمطالبة بحقوقها وتوفير ظروف ملائمة لاستعادة المسلوب منها والانتصار لقيمها ورسالتها.
** **
الشيخ فيصل الحمود المالك الصباح - محافظ الفروانية