أ.د.عثمان بن صالح العامر
ثمة شيء في الحياة مهم جداً الإيمان به إيماناً مطلقاً دون الوقوف عنده طويلاً وإعمال وجوه النظر فيه، لأنه بإيجاز ودون توسع في الشرح والإيضاح سرُّ الله في خلقه، وفوق مدركات العقل البشري القاصر، ألا وهو أمر «القضاء والقدر» الذي يجريه الرب سبحانه وتعالى في كونه وعلى جميع مخلوقاته خيراً كان أو شراً {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}، ولذا ليس باستطاعتك مهما بلغت من الذكاء والخبرة والحنكة والدهاء أن تحدد كيف ستكون عليه الأمور غداً بشكل جازم مقطوع ومسلّم به، ولكن أنت مأمور أن تخطط وترسم سيناريوهات المستقبل حسب ما يسمح به عقلك وتمنحك الوصول إليه مداركك، ثم تتوكل على الله مقلِّب القلوب ومصرِّف الأمور ومغيِّر الأحوال ومدبِّر أمر الليل والنهار، فهو وحده الذي يعلم ما لا نعلم، وهو علاّم الغيوب، ومن هذا الباب - بعد إعمال العقل والتفكير في الأمر والمشاورة والمداورة وتقليب وجوه النظر في الموضوع محل البحث لاتخاذ قرار فيه - سنّة صلاة الاستخارة التي كان الرسول صلى الله عليه وسلم يعلِّمها أصحابه رضوان الله عليهم أجمعين كما يعلمهم السورة من القرآن، لما فيها من التفويض والتسليم المطلق للرب سبحانه وتعالى.
قد تكون هذه الأمور مدركة ومتقبّلة لنا نحن المسلمين؛ لأنها تتوافق مع معتقداتنا السلفية الصحيحة التي ندين الله بها، ولكنها ليست كذلك عند كثير ممن يعتنقون أفكاراً مادية صرفة، فلا يؤمنون إلاّ بما قام الدليل العقلي على وجوده وبرهن الحس بصحته.
الله سبحانه وتعالى - مثلاً - أخبرنا خبراً قطعياً ثبوتاً ودلالة أنّ الموت نهاية جميع المخلوقات، وترك أمر تحديده زماناً ومكاناً وحالاً له وحده عزّ وجلّ، فلا يعلم أيٌّ منا متى وأين وكيف سيموت، ولكنه عزّ وجلّ طالبنا بشيء واحد مهم، ألا وهو {وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ}.
عندما تمعن النظر مثلاً في النهايات هذه (زمانها ومكانها وحالها) أياً كانت سواء على مستوى الأقوام والأمم، أو الأفراد والأُسر، تجد أنّ من بينها ما جاء نتيجة طبيعية لأمر متوقع، والآخر وهو محل الحديث هنا صار جراء تغيير رباني في سنّة إلهية جارية، أو لوقوع أمر لم يكن في الحسبان يوماً ما لا من قريب أو بعيد، فحدث الموت في زمان لم يخطر على بال أحد، وفِي مكان ليس هو المتوقع، وعلى حال لا تسر ولا يتمناه الإنسان لمن يحب رمزاً كان هذا المحبوب أو نكرة من الناس.
من كان يتوقع النهايات التي كتبها الله لعدد من رؤساء عالمنا العربي الذين عُرف عنهم الدهاء والمكر، «واللعب على رؤوس الثعابين»، والتمتع بالحراسة والحماية والتترس البشري والآلي؟ إنها باختصار إرادة الله التي هي فوق إرادة البشر، لا أقول هذا الكلام تشفياً وشماتة بأيٍّ منهم لا سمح الله ، ولكنها عبرة وعظة وتذكير وتذكر بأنّ أمر الله نافذ ومشيئته جارية وقدره واقع متى شاء وأنّى شاء وعلى من شاء وكيف شاء سبحانه وتعالى ، ويبقى السؤال الذي يجول في ذهني حتى لحظة كتابة المقال:
* ترى هل النهاية بصورتها التي شاء الله أن تكون تختزل صفحات كلٍّ منا وتحكي سيرته التي هو عليها حتى آخر يوم من حياته؟.
* هل عودة الرئيس اليمني علي عبد الله صالح في آخر أيامه عن موقفه الداعم للحوثيين شعوراً منه بدنو أجله ورغبة ألاّ يموت غاشاً لشعبه ويمنه ، هل فعلاً يحس الإنسان بقرب موته؟.
* هل يمكن أن نضع صورة النهايات المأساوية التي وقعت في حق هؤلاء الرؤساء في خانة العقاب الرباني الذي يجريه الله على من تسلّط؟.
المجزوم به عندي أنّ النهاية الحسنة أمنية ينشدها ويتطلّع لها المسلم الحق ، ولذا ليكن من دعائك الدائم: «اللهم أحسن لنا الختام، واجعل خير أيامنا يوم نلقاك، وآخر كلامنا من الدنيا شهادة ألاّ إله إلاّ الله وأنّ محمداً رسول الله، وتوفّنا وأنت راضٍ عنا غير غضبان»، اللهم آمين. دمتم بخير، وتقبلوا صادق الود والسلام.