د. محمد بن يحيى الفال
في خطابه الأخير للشعب اليمني شدد الرئيس صالح أن شراكته مع الحوثيين لما يقارب ثلاث سنوات لم تجلب لليمن سوى الدمار والفوضى وبأن الحل لأزمة اليمن تكمن في عودة قيم الجمهورية الحاضنة لكل مكونات الفُسيفساء المجتمعي اليمني، مضيفاً بأنه ليس له مطامع في العودة للحكم بعد أن قضي فيه أكثر من ثلاثة عقود جعلت قناعاته تزداد تأكيداً بأن الحل لمشاكل وأزمات اليمن هو عودة الجمهورية وبالمشاركة السياسية لكل الأحزاب اليمنية بعيداً عن التكتلات الحزبية الضيقة وخصوصاً المؤدلجة كما هو حال جماعة الحوثيين. كان خطابه هذا بمثابة الصاعقة التي نزلت على الحوثيين كونه سينهي أحلامهم في حكم اليمن من خلال مخططهم الذي ضم صالح نفسه، وكان الخطاب بمثابة فرصتهم التي سارعوا في اقتناصها بسرعة فائقة مدعومة بعقلية العصابة التي تؤمن بتصفية كل من يواجهها ولتحقيق هدفين إحداهما يتعلق بمشروعهم في اليمن والآخر يتعلق بحساب ثأر مؤجل مع الرئيس صالح. عليه فتصفية الرئيس صالح من قبل الحوثين كان أمراً لا مناص منه كونه دخل في الزاوية الخطرة جداً بدعوته للعودة لقيم الجمهورية اليمنية والتشاركية السياسية، وهو الأمر الذي يعني تهديد غير مسبوق لهدفهم الإستراتيجي لحكم اليمن من قبلهم بأيدلوجيتهم الطائفية المستوردة والمدعومة من نظام الملالي بطهران، ويؤكد هذا بأنه بالكاد مر يوم واحد فقط من خطاب صالح الذي ألقاه يوم السبت وليلقى مصرعه في يوم الاثنين، وليخرج عبدالملك الحوثي على قناة المسيرة متهللا فرحا معلناً مصرع الرئيس صالح واصفاً ما حدث بأنه يوم استثنائي وتاريخي، فمن كان يقف حجر عثرة في طريقهم للتفرد بحكم اليمن وتنفيذ مشروعهم الطائفي في اليمن تمت إزاحته وتصفيته بطريقة إجرامية لا تقوم بها سوى العصابات المحترفة، فبعد قتله ومن معه بطريقة تنفيذ الإعدام بإطلاق الرصاص من مسافة قريبة (Execution (Style قاموا بنقل جثته إلى مكان آخر زاعمين بأنه تم استهدافه وقتله بعد أن فر من صنعاء إلى مأرب، في محاولة واضحة لتشويه سمعته بين مؤيديه. والهدف الثاني الذي كان من وراء مصرع الرئيس صالح على يد الحوثيين هو تصفية ثأرهم معه الذي مضى عليه ثلاث عشرة سنة والذي نتج عنه مقتل حسين الحوثي الشقيق الأكبر لعبدالملك الحوثي من قبل الجيش اليمني خلال حرب صعدة عام 2004.
الأحداث الأخيرة والدراماتيكية والمتسارعة في اليمن تؤكد لكافة القوى السياسية اليمنية وكل مكونات المجتمع اليمني وبما لا يدعو بأنهم يواجهون خطر وجودي لمستقبلهم ومستقبل بلادهم من قبل أقلية طائفية لن تتردد في عمل كل الجرائم والفظائع من أجل التفرد بحكم اليمن. اليمنيين اليوم أمام واقع تاريخي جديد يحتاج منهم جميعاً للتوحد من أجل تخليص بلادهم من هذه الطغمة الباغية التي لم تجلب لليمن سوى الدمار والخراب. وتؤكد الأحداث الجارية في اليمن الآن بعد نظر القيادة في المملكة والتي حاولت بلا كلل أو ملل تجنيب اليمن الصراعات من خلال تبنيها للمبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية والتي لو نفذت ونفذ معها مخرجات الحوار اليمني لما وصل إليه المشهد اليمني من تعقيدات ومآسي كما نراها اليوم. لقد حاول اليمنيين بغالبية انتماءاتهم السياسية وحاول معهم أخوتهم الخليجيون الحريصون على أمن واستقرار اليمن إبعاده عن الفوضى والتشرذم، ولكن الطائفيين الحوثيين الطامعين بحكم اليمن بإيعاز ودعم كامل من قبل ملالي طهران رفضوا إلا أن يمضوا قُدما لتحقيق أهدافهم في التفرد بحكم اليمن بقوة السلاح. قبل نشوب الحرب رفضت عصابة الحوثي الحل اليمني المتمثل بمخرجات الحوار اليمني الوطني، ورفضوا الحل الإقليمي المتمثل بالمبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية، وبعد نشوب الحرب رفضت عصابة الحوثي كل القرارات الدولية الصادرة عن مجلس الأمن بما فيها القرارات 2140 ، 2201 ، 2216، ثلاث قرارات أممية من مجلس الأمن صدرت بحق الحوثيين ولم يلتفتوا إليها وبمحاولات متكررة في جنيف وعمان والكويت من ممثلي الأمين العام للأمم المتحدة في اليمن لجلبهم للتوافق على حل سلمي ينهي مأساة اليمن، ولكن كلها باءت بالفشل، فقرارات الأمم المتحدة لم تطبق ونداءات السلام لم تلق آذنا صاغية واعية. وإذا وضعنا الرفض الحوثي للسلم في اليمن من خلال رفض الحلول الداخلية والإقليمية والدولية في صورة واحدة متراكمة والتي كان آخرها دعوة الرئيس صالح للعودة لقيم الجمهورية اليمنية والتي كانت بمثال القشة التي قصمت ظهر البعير، لاتضحت لنا الصورة كاملة وبلا تشويش وبأننا أمام جماعة لديها مشروع كبير مؤدلج مدعوم إيرانياً من ألفه إلى يائه لإقامة دولة إمامية في اليمن تطيح بالجمهورية التي جمعت كل اليمنيين تحت ظل دولة واحدة. عليه فاليمن اليوم بكل أحزابه وطوائفه وقبائله أمام منعطف تاريخي في غاية الحساسية يع على عاتقهم جميعاً وبلا استثناء مسؤولية إنقاذ بلادهم وبانتفاضة رجل واحد وبتوحد ينفض عنهم كل أسباب الفرقة والحسابات الحزبية والقبلية الضيقة من أجل مستقبل جمهوريتهم الذي أضحى على المحك بفعل عصابة مؤدلجة مدعومة من نظام الملالي الذي لا يرى في اليمن وأهله سوى وقود لمؤامراته الدنيئة الهادفة لطعن الأمة العربية في خاصرتها الجمهورية اليمنية الشقيقة.