ماجدة السويِّح
جدار برلين الذي قسم الشعب الألماني، لم ينه وجوده سوى خطأ إداري بعد تصريح الناطق الرسمي للحزب الاشتراكي الألماني «غونتر شابوفسكي» وإعلانه عن رفع قيود التنقل بين الألمانيتين، مما تسبب في تدفق الألمان من الجانب الشرقي للجانب الغربي، واضطرار الحرس لفتح الطريق، لتنفيذ ما تم الإعلان عنه دون قيود، كان هذا اليوم تاريخيا حيث مهد لسقوط جدار برلين، بعد أكثر من 28 عاما. فالخطأ الصغير الذي لم يكن في الحسبان، تسبب بحدث تاريخي لا ينسى في إنهاء الفصل.
في عالمنا العربي الأحداث الصغيرة مهدت لأحداث كبرى لم تكن بالحسبان، فالشرارة التي انطلقت عام 2010 من وسط تونس، من قبل بائع الخضار المتجول «طارق البوعزيزي» احتجاجا على الظلم والفساد، كانت بمثابة رفيف جناحي الفراشة، التي ولدت عددا من الأحداث الكبرى في المنطقة العربية، وغيّرت العديد من الأنظمة العربية، كما أشعلت العديد من الحروب والصراعات الأيديولوجية.
تأثير نظرية الفراشة يكاد يفسر الأوضاع السياسية، والتسلسلات التي نعايشها اليوم، فالرفرفة من جناح الفراشة «الحدث الصغير» له القدرة في خلق تغيرات وإحداث تأثيرات كبرى.
نظرية تأثير الفراشة لم تعد محصورة بالتفسيرات المناخية والطقس، كما كانت تستخدم في بداية نشوئها من قبل مؤسسها عالم الرياضيات والأرصاد «إدوارد لويرنتز» عام 1963، بل امتد استخدامها لتفسير الأحداث والظواهر السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
تؤكد نظرية تأثير الفراشة على «أن تحريك جناح الفراشة في الصين، سيتسبب بحدوث إعصار مدمر في أمريكا»، وهو ما شهدناه من بداية ثورات «الخريف» العربي، والمشروع الأمريكي لتمكين الإخوان، والمشروع الفارسي في بسط نفوذه على دول الخليج العربي، فرفرفة «البوعزيزي» كانت البداية لتوالد الصراعات بداية من تونس مروراً بمصر، التي شهدت تنحي الرئيس السابق حسني مبارك وتسلم الإخوان مقاليد الحكم، والانقلاب العسكري، وتسلم الرئيس عبدالفتاح السيسي للحكم، ومقتل القذافي بليبيا، والصراعات المذهبية في كل من العراق وسوريا، وأخيراً اليمن التي تتجرع الآن من ويلات الحروب، بسبب الحوثي والمشروع الإيراني، ومقتل الرئيس اليمني السابق بيد الحوثيين.
كل الأحداث السياسية بدأت برفرفة جناحي الفراشة من تونس، وواصلت تعقدها وتضخمها، حتى استحالت لإعصار يكتسح وسيكتسح مقدرات الشعوب والأوطان العربية، التي تراجعت في التقدم والتنمية، نظرا للصراعات والحروب.
وأخيراً لعلنا نتفق أن رفرفة «البوعزيزي» تسببت في خريف استغلته أطراف خارجية، لم نبصر معه سوى الذبول والأفول لدول وحكام وسياسات كانت بيننا.