فهد بن جليد
في شارع إتايوان وهو أحد أشهر الشوارع المكتظة بالسيَّاح في سيول، أوقفني رجل يحمل بيده (كيساً) وضع بداخله مجموعة كبيرة من العملات المتنوعة، وسألني بأدب كبير -بعد أن انحنى تعبيراً عن التقدير- قائلاً: آرب، بمعني هل أنت عربي؟ مُعرفاً نفسه بأنَّه يهوى جمع العملات العالمية من الناس، مبدياً استعداده لتعويضي بالعملة المحلية بما يعادل أي عملة أحملها في حال رغبت في مشاركته هذه الهواية، ويسعده أن أهديه أي فئة من فئات عملة بلدي ليحتفظ بها ضمن مجموعته الكبيرة التي يحملها ما بين دولارات وعملات عربية وأجنبية متنوعة، خصوصاً أنَّه يعرف أسماء تلك العملات، ويحمل معلومات ثقافية وصورًا عن بلدان العالم وثقافاتهم المتعددة -للأمانة- هنا تأخذك الحماسة مع هواية هذا الرجل، وتعطيه ما يمكن أن يبقى ذكرى من العملة البسيطة التي قد تحملها بالصدفة في جيبك دون مقابل بالطبع، وهو ما فعلته أنا.
القصة لم تنتهِ هنا، ففي اليوم التالي وأنا أسير مع مجموعة من الأصدقاء في ذات الشارع -بحكم وجود العديد من المطاعم الحلال والمقاهي العربية فيه- رأيت الرجل بالصدفة يمارس هوايته مع سيّاح أجانب بطريقة خجولة جدًا فيها من الأدب والاحترام الشيء الكبير، فحدَّثتهم عن هوايته السامية التي تعرف عالميًا
(بهواية الملوك أو ملكة الهوايات)، وشغفه الكبير في جمع العملات والاحتفاظ بها، وعن طريقته الرائعة والمؤدبة والمميزة في اقتناء العملات من الناس، واكتشفت أنَّني لم أكن الوحيد الذي أعطاه المال، فكل الأصدقاء تقريباً قدموا له فئات مختلفة ومتكرّرة من الريالات، وعندها أدركت أنَّ الرجل يمارس بذكاء حيلة كبيرة، كأفضل وأحدث أنواع (التسول) التي رأيتها في حياتي.
يبدو أنَّ فن التسول يتطوَّر في مختلف أنحاء العالم بعيداً عن الطرق التقليدية في طلب المساعدة أو الشحاتة المباشرة -تكتب شحاذة عند بعض اللغويين- بدءًا من استغلال المشاعر ببيع الزهور، والتحايل على الناس بتظاهر العمل وطلب الرزق ببيع الماء وعلب المناديل في الطرقات، أو التقاط الصور التذكارية بأكثر من سعرها في الأماكن السياحية، مرورًا بإنشاء مدارس خاصة لتعليم فنون التسول يلتحق بها الأطفال -يوجد واحدة في قرية غولغوليا بالقرب من مومباي- وصولاً إلى توظيف الهوايات المعروفة كالعزف على الآلات الموسيقية، والرقصات الفلكلورية في بعض البلدان مقابل ما يضعه ويتبرع به السيَّاح لهذه الفرق..
إلا أنَّ صاحبنا قدم لي في هذه الرحلة درساً في كيفية (جمع المال) دون عناء.
وعلى دروب الخير نلتقي.