مها محمد الشريف
أكثر من ثلاثة عقود حكم فيها صالح اليمن، مارس فيها كل قناعاته وإراداته وحتى عندما أزيح عن كرسي الحكم لم يذهب بعيداً عن غرفة التحكم السياسي في مصير اليمن، وفي كل أزمة من أزماته التاريخية يلعب دور الثعلب لكنه في لعبة التحالف مع الحوثيين ضد العرب لم يستطع أن يمارس هذه الصفة، حاول صالح أن يكون أسداً فقتل قتلةً بشعة على أيدي خونة اليمن كله والعروبة والإسلام..
وفي هذا المشهد المتراكم والمتسارع في مستجداته نذكر أن من طبيعة التفكير العقلاني الركون إلى الحقيقة كركيزة في تشكيل دولة تخضع لنفوذها قبائل وأعراق أخرى، وأكثر من ذلك ابتكار شكل جديد لتنظيم المجتمع، وإرساء قواعد راسخة بعد هذه الأحداث التي دارت بين الرئيس المقتول علي عبدالله صالح والحوثيين. رجل التحالفات المتناقضة كما سماه العرب والعجم.
والواقع أن كثيراً من القبائل اليمنية عانت من الصراعات الداخلية في عهد الرئيس المغدور والحوثيين. اختلفوا وتحالفوا ثم استعاد رشده هو والموالون له لمواجهة الحوثي وأطماع طهران، وعلى الجميع أن يكونوا كتلة واحدة بكل الأحزاب والتيارات لتشكل اتحاداً قبلياً شعبياً يقاتل ويحرِّر الوطن المسروق من مليشيات إيران.
بطبيعة الحال، الاعتراف بقتل الرئيس السابق صالح هو إدانة بجرم مشهود، ففي المقام الأول مقتله لم يكن تدبيراً متقناً أو شجاعة أو مجرد صدفة أو بسالة قوات الحوثي المتربصة، بل هي مؤامرة مبيوعة من رفقاء الخيانة رفقاء صالح وحاشيته، هذا وقد وصف زعيم مليشيا الحوثي وعميل إيران عبد الملك الحوثي أن: «مقتل صالح اليوم استثنائي وتاريخي»، بل وجَّه أتباعه إلى مسيرة شكر في شوارع صنعاء، ولا أحد يعلم الشكر على ماذا فهو يمارس خيانة وطنه ويلهث إلى مزيد من سفك دماء اليمنيين ويوغل في شق صف الشعب اليمني وتعميق الكراهية فيه ولم يقتل صالح إلا الخونة يا زعيم الجماعات الإرهابية.
إنه من الصعب أن تكون هناك لعبة سياسية جديدة مرتبطة بإستراتيجية أكبر من قدرات الحوثي تدبرها إيران في اليمن، وهذا النوع من التخطيط لا يخلو من فخ المراوغة، ولكن لن يكون الواقع أكثر فوضى من وتيرة الماضي الملطخة بدماء الأبرياء.
وفي كلمة مسجلة أعقاب مقتل المغدور علي عبد الله صالح على يد الميليشيات المتمردة، قدّم الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي التعازي «في كل الشهداء الذين استشهدوا في هذا اليوم وخلال اليومين الماضيين في انتفاضة صنعاء، وفي المقدّمة منهم الرئيس السابق».
تذهب جميع الاحتمالات باتجاه الأحداث والمستجدات، وأهم ما يحب قوله في الوقت الراهن يجب التخلّي عن الانقسام حتى يمكن محاصرة الحوثيين في ميادين القتال قبل أن يختبئوا بين المدنيين، وترك مخلفات الخرائط القديمة، والعمل مع الحكومة اليمنية الشرعية لإضعاف مقاومة المليشيات، بوصفها مرحلة حاسمة في تحديد مصير الدولة اليمينية والقضاء على المرحلة الحوثية الغوغائية الإجرامية والهمجية التي تقتل الأطفال والنساء وتزرع الفرقة في المجتمع الواحد، وهكذا تعود اليمن إلى تاريخها وحضارتها المسلوبة.