عبدالعزيز السماري
لم تكن نهاية الرئيس اليمني السابق مفاجئة، بل كانت متوقعة، فالحوثيون طائفة تعتقد أن أتباعها أحق بحكم اليمن لأنهم ولاة الله على الأرض - بحسب زعمهم - وأن ولاية الفقيه نظام إلهي يجب إحياؤه. والدور القادم سيكون على سوريا ولبنان، فهم يعملون على تصدير النموذج السياسي الكهنوتي للدول العربية، ولهذا يقدمون لأذرعتهم الدعم الطائفي والعسكري من أجل تحقيقه.
وصل التهور السياسي لدى عمائم إيران أنهم يريدون تحويل دول عربية متعددة الطوائف والثقافات إلى دول تحكمها ولاية الفقيه، وقد تكون نهاية زعماء عرب آخرين مثل نهاية علي صالح، ولعل أقربهم لهذه النهاية المأساوية بشار الأسد، ولكن هل سيثق بعد اليوم بأذرعة إيران العسكرية والاستخباراتية القائمة على الأرض في سوريا.
قرأ البعض ما يُطلق عليه بالربيع العربي قراءة خاطئة، وحاول بعض الزعماء الارتماء في أحضان الكهنوت الإيراني من أجل أن يظل في السلطة مدة أطول، بينما الحقيقة التي يهرب منها الكثير أن ما حدث في الربيع العربي هو تغيير حقيقي في الوعي السياسي، وإذا لم تتم قراءته بشكل موضوعي ستكون نهاية البلاد مثل ما يحدث في اليمن وسوريا.
أخطأ بشار وأخطأ صالح وأخطأ قبلهم معمر القذافي لأنهم أساؤوا قراءة المشهد السياسي للمجتمع، بينما لم يُخطئ نيلسون مانديلا حين احترم التغيير الثقافي في المجتمع، وكانت النتيجة الدخول في الطور السياسي العصري من أوسع أبوابه.
الزعيم الحقيقي هو الذي يستوعب المتغيرات السياسية الجديدة، وذلك عندما يدرك أن ساعة التغيير قد حانت، ولعل علي عبدالله صالح - رحمه الله - في خطابه الأخير قال شيئاً من ذلك، لكنه كان متأخراً كثيراً، وكان من المفترض أن يعي الأمر بعد المخرج المثالي الذي رسمته له المبادرة الخليجية، لكنه أساء فهمها، وذهب في الطريق الخطأ، فكانت نهايته كما شاهدناها..
مواجهة التدخل الطائفي الإيراني في الدول العربية تحتاج إلى عمل عربي موحد، وعليه يجب إعادة إحياء الثقافة العربية والمصالح المشتركة بين الدول العربية، ثم العمل على تضييق الخناق على الطائفية ومرجعياتها، والطائفية لا تعني فقط التحزب لفئة محددة، ولكن أي خطاب يقوم على احتكار الحقيقة الدينية ثم محاولة فرضه على الآخرين هو خطاب طائفي بامتياز.
إذا أراد العرب هزيمة الطائفية فعليهم التوحد ضد مختلف التيارات الطائفية في مجتمعاتهم، وأن يعيدوا للخطاب العربي غير القومي أو العنصري لمواجهته، وسيحتاج ذلك إلى جهد إعلامي وسياسي لإصلاح العقل العربي الذي تشوه كثيرًا بسبب تسييس الخطاب الديني.
ربما اتضحت الصورة السياسية للشعب العربي في اليمن، فالحوثي يُدار من المرجعية الكبري في إيران، ولا يكترث بمصالح اليمنيين، ولكن يعمل من أجل إرضاء مرجعيته الفقهية في قم، وهو ما يعني أن كل من يقف ضد مصالحها ستكون نهايته مثل نهاية الرئيس السابق علي صالح.
من خلال هذه الزاوية أتوقع أن تكون نهاية بشار الأسد مماثلة إذا رأت المرجعية الإيرانية المتحكمة على الأرض العربية في سوريا أن دوره السياسي انتهى، ولا أرى خطاً للرجعة لبشار الأسد، فقد تجاوز الحدود في الارتماء في أحضان ألد أعداء الواقع العربي في هذا العصر.