د. فوزية البكر
تطرب أذن الآم والخالة والعمة حين تتحدث ببعض الكلمات الإنجليزية المتقطعة مع طفلها أو طفل أختها أو قريبتها وتحذو العاملة المنزلية حذو العائلة بالطبع فهي أصلاً لا تعرف العربية ولا تعرف غير بضع كلمات من اللغة الإنجليزية ويقع طفل عربي المولد والنشأة في أزمة لغوية خانقة، فلا هو من تعلم اللغة العربية بشكل طبيعي كما تعلمناها من آبائنا وأمهاتنا الذين (وقبل دخول جيل العاملات المنزليات) تحدثوا معنا بالعامية والتي بنينا عليها لاحقاً فهمنا لبناء اللغة العربية في المدرسة تحدثاً وكتابة ولا هو الذي أجاد اللغة الإنجليزية ولديه حصيلة لغوية كافية تعينه على التعبير عن نفسه ومشاعره وفكاره ومن ثم أصبح أطفالنا كالطائر الذي فقد مشيته فلا هم يتحدثون العربية ويملكون حصيلة لغوية كافية منها ولا هم بالطبع يتحدثون الإنجليزية بشكل سليم (حتى لو اعتقدت الأمهات أن أبناءهن يعرفون الإنجليزية لكن أي دارس باللغة الإنجليزية سيعرف لغة الأمهات والعاملات المكسرة) وهو الأمر الذي يولد اليوم أزمات هوية كبيرة بين جيل الشباب وخاصة لقطاع عريض من أبناء المدن الذين أصبحوا مراهقين أو طلاباً في الجامعات ذكوراً وإناثاً ولا يملكون حصيلة لغوية عربية كافية تمكنهم من أداء التزاماتهم المدرسية فضلاً عن توقعنا منهم الاستخدام الطبيعي للغة العربية في الحياة اليومية مما يوقعهم في أزمات يومية خانقة وأزمات نفسية لعدم قدرتهم على التواصل والتعبير كما يولد بالطبع مشكلات دارسية ومهنية تلاحقهم طوال حياتهم.
للأسف لا تتعرض درسات (صادقة) إلى هذا الموضوع بشكل علمي ومنهجي دقيق في درسات تتبعية طولية (ونعني بالدراسات الصادقة تلك التي تبنى على منهج علمي دقيق وبيانات علمية مبينة على دراسات دقيقة وتفصيلية لسنوات متتابعة).. ويكتفي الباحثون عادة بدراسات وصفية سريعة تتبنى الاستبانة وسرعة استجابة المفحوصين الذين يميلون في العادة لسرعة التخلص من هذه الاستبانات عن طريق اختيار إجابات وسطية يتوقع أن ترضي الباحث لكنها لا تقدم درسات نافعة يمكن أن تساعد صناع السياسات التعليمية لرسم سياسات حول المشاكل الحقيقية التي يعاني منها طلاب المدراس حتى لو منحت الدراسات التي تجري على قدم وساق في كل جامعاتنا الدرجة العلمية للطالب اوالترقية لأستاذ الجامعة.
في هذا السياق تأتي دراسة قامت بها وزرارة التعليم حول المقدرة القرائية لطلاب وطالبات السنة الرابعة الابتدائي في المملكة كحالة استثنائية وذلك عن طريق تحليل نتائج الامتحانات الدولية في اختبار بيرلز المشهور وهو اختبار عالمي لمدي تقدم القراءة في العالم يقوم علي أساس المقارنة بين طلاب العالم في مهارات القراءة باللغة الأم والتي يجري تنظيمها كل خمس سنوات حيث كانت آخر مشاركة للمملكة في العام 2016 لكن الورقة المقدمة من الوزارة تكتفي بتحليل بينات الطلاب في اختبار 2011 والتي كانت نتائج طلابنا (كما قد نتوقع للأسف) من بين الخمس الأكثر ضعفاً في مهارات القراءة بين باقي الدول الأربعين التي شاركت في ذلك الاختبار حيث أن فقط ستة من كل ألف طالب في الصف الرابع الابتدائي في المملكة يستطيع الوصول إلى المستوي العالمي المتقدم في مهارات القراءة.
ويعتمد اختبار بيرلز للقراءة علي مهارات قرائية عليا تتطلب عمليات ذهنية معقدة من حيث ربط الأفكار عبر النص وجمع الأدلة الضمنية للوصول لنتيجة أو تفسير حدث أو فهم تصرفات شخصية في القصة، أي أن المهارات المقاسة تتجاوز مرحلة التعرف على الكلمة وقراءتها بشكل صحيح إلى مهارات ذهنية عليا تتطلب الربط بين الأفكار وتفسير ما وراء النصوص وفهم تسلسل الأحداث بشكل منطقي وهي المهارات التي لا يدرب تعليمنا عليها أصلا لا في القراءة كمادة مستقلة ولا في باقي المواد التي تعتمد غالباً على الحفظ وليس الفهم والتطبيق وحتى لو توفرت بعض هذه المهارات في بعض المواد كا الرياضيات مثلاً فإن الطلاب لا يتمتعون بالحصيلة اللغوية العربية التي تمكنهم من التعبير عن أفكارهم مما يجعلهم عرضة للفشل فى هذه الاختبارات الدولية.
قدمت الدراسة المذكورة توصيات ممتازة لو اخذت بها كليات التربية لدينا لآصبحنا الأفضل في العالم العربي وعرضت أثر بعض المتغيرات مثل متغير الجنس، حيث أظهرت البنات تفوقاً ملحوظاً في القدرات القرائية مقارنة بالبنين لكن هذا وكما أشارت الدراسة لم يفسر إلا جزء بسيط من الفروق على المستوي الدولي ويبقي ان الدراسة لم تظهر لنا باقي المتغيرات للطلاب الذين تمكنوا من الوصول للمستويات العالمية فما هي مدارسهم؟.. وماهي خلفيات معلميهم؟.. وما هي خلفيات أهاليهم والتي قد تساعد على فهم أسباب تفوقهم.. وبعد لم أشاهد في حياتي طفلاً أمريكياً أو أنجليزياً لا يتحدث الإنجليزية ولكنني أعاصر أطفالاً سعوديين عرب لا يتحدثون العربية.