د.حامد الوردة الشراري
خلال الأسبوعين الماضيين شهدت مدينة الرياض حراكا نوعيا تمثل في إقامة خمسة مؤتمرات دولية ذو علاقة بالتنمية والاقتصاد المبني على المعرفة لمواكبة رؤية المملكة 2030: منتدى مسك العالمي، منتدى أسبار الدولي، المؤتمر الدولي للتعليم المدمج، منتدى الرياض الاقتصادي، والمؤتمر والمعرض الهندسي الدولي. المؤتمرات أصبحت صناعة اقتصادية رائجة في وقتنا الحالي على مستوى الاقتصاديات العالمية لكونها عنصر جذب للاستثمارات وخلق فرص عمل وفيها تعقد شراكات إستراتيجية وعلمية، ومخرجاتها من توصيات ومبادرات وأفكار هي إحدى الأدوات الرئيسية التي تسهم في تحسين وتصويب إستراتيجيات ورؤي الدول إلى أهدافها التنموية العليا وفقا للمعطيات المتجددة والتوجهات الحديثة.
في منتدى مسك العالمي ومنتدى أسبار الدولي أقيمت العديد من المحاضرات وورش العمل واللقاءات النوعية التي ركزت على تعزيز ثقافة الإبداع والابتكار ومواكبة الثورة الصناعية الرابعة وإشراك عدد كبير من الشباب السعودي المتميز في الفعاليات المصاحبة لتطوير مهاراتهم وتمكينهم من المشاركة الفعالة في الاقتصاد المعرفي، وإكسابهم الخبرة عن طريق الاحتكاك المباشر بالخبراء ومدراء الشركات العالمية الذين لهم دور في الإسهام بتنمية اقتصاد بلادهم من خلال ابتكاراتهم ومشاريعهم الريادية. من المبادرات النوعية في منتدى أسبار الدولي استحداث مسابقة وجوائز تحفيزية لأفضل ابتكارات شبابية مع دعمها واحتضانها من قبل الهيئة العامة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة حتى تصبح واقعا ملموسا يخدم الاقتصاد الوطني، كذلك الإعلان عن منح تأشيرات وتراخيص لجهات خارجية ورواد أعمال للإسهام في توطين التقنية وتنمية وتعزيز ثقافة الابتكار.
في هذه المنتديات تحدثوا شخصيات عالمية بارزة مثل بيل غيتس والملكة رانيا العبدالله، كذلك السيد «فيليب يو» - مؤسس ما يعرف بربيع سنغافورة - الذي تحدث عن التجربة السنغافورية بإسهاب وكيفية استثمار رأس المال البشري المعرفي للوصول بتلك الدولة صغيرة المساحة شحيحة الموارد متعددة الأعراق إلى العالم المتقدم صناعيا في منتدى أسبار الدولي، وحديثه المفعم بالتفاؤل عن رؤية الممكة 2030 التي هي الإطار العملي وخارطة الطريق إلى العالم المتقدم، وخلاصة حديثه بأن الاهتمام بالبحث والتطوير واستقطاب العقول المتميزة هو السبيل الرئيس إلى اللحاق بركب الدول المتقدمة.
الثورة الصناعية الرابعة، التي مرتكزها الربط والتكامل بين التقنية الرقمية والتقنية الحيوية، ازدهرت على تقنيات الثورة الصناعية الثالثة كشبكة الانترنت والكمبيوتر والهواتف والأجهزة الذكية وأجهزة تحديد المواقع والأقمار الصناعية ذات الأغراض المدنية الذي غالبها نتاج أبحاث وتطوير للأغراض العسكرية تم تحويل أو تحوير الذي انتفت الحاجة منها عسكريا للأغراض المدنية لدعم اقتصاديات تلك الدول، هذا النهج ضمن في رؤية المملكة الإستراتيجية من خلال التركيز على توطين التقنية العسكرية بنسبة تصل إلى 50 % في حلول عام 2030، الذي - بإذن الله- سيكون لها دور إيجابي في تنمية الاقتصاد المحلي وتنويع مداخيله ومواكبة الثورة الصناعية الرابعة.
رؤية المملكة وبرامجها شملت العديد من المبادرات والمشاريع المحفزة للشباب المبدعين وتنمية أفكارهم ومشاريعهم وتوفير الدعم المالي واللوجستي للمشاريع الابتكارية والأعمال الريادية، التي لم تكن مأخوذة في الاعتبار في السياسات الاستراتيجيات السابقة التي تناولت التوجه للاقتصاد المعرفي من جوانب مختلفة ومتعددة، منها إنشاء الهيئة العامة للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة وإطلاق صندوق الاستثمارت العامة للعديد من المبادرات والبرامج والمشاريع ذات العلاقة بالابتكار والإبداع كمشروع مدينة «نيوم» مدينة الابتكار المستقبلي، وصندوق الصناديق لتمويل المشاريع الابتكارية والواعدة ...إلخ، إلا خير دليل على ذلك التوجه.
لا يمكن أن نستعرض كل ما ذُكر من تجارب وممارسات ناجحة في تلك المؤتمرات في هذا المقال المقتضب، إلا أن ما يهم هو خلاصة ما توصل له من توصيات ومبادرات وأفكار نوعية تخدم التنمية إن لم تصاحبها جهود للاستفادة من مخرجاتها فلاجدوى لها وتبقى حبرا على ورق. لذا، قد يكون من المناسب تشكيل لجنة أو فريق يدرس مخرجات تلك المؤتمرات بعمق وإدراجها ضمن البرامج المرحلية لرؤية المملكة 2030. وتبقى الرياض القلب النابض للأمة في جميع الأصعدة وحراكها هو حراك للأمة نحو الريادة والتقدم والازدهار.