عبدالوهاب الفايز
اليوم.. أيضاً نواصل الحديث عن الأمور الضرورية لاستدامة المشروع الكبير لتعزيز النزاهة ومحاربة الفساد..
في المقالات الثلاثة السابقة تناول الحديث الإشارة إلى أهمية الاستدامة في محاربة الفساد عبر رفع كفاءة تطبيق الأنظمة والتوسع في تبني مشاريع وطنية اجتماعية وتعليمية ومرورية لأجل تحويل تعزيز النزاهة ومحاربة الفساد إلى (منهج حياة متكامل) داخل البيت، وفي الطريق والأماكن العامة، وفِي بيئة العمل، أي نحتاج تحويله إلى عمل مؤسسي مستدام لكي نجني ثماره على الوحدة الوطنية والاستقرار والرفاه الاجتماعي.
هذا المشروع الذي أطلقه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان - حفظه الله- هو (استثمار في هيبة الدولة وهيبة الأنظمة)، وتكريس للقوانين والأعراف التي رافقت مسيرة الدولة وبقيت في تقاليد بيت الحكم. ولتعميق وتوسيع هذا المشروع أمامنا برنامج وطني يساعد في هذا المسعى وهو: (برنامج التعاملات الإلكترونية الحكومية)، والذي بدأناه وحقق نتائج إيجابية ناجحة تحفز على التوسع فيه.
ميزة تطبيقات ثورة التعاملات الرقمية أنها (وسيلة حضارية)، وعادلة وشفافة لإدارة التواصل والتفاعل في تقديم الخدمات، فالمواطن في النظام الرقمي مجهول الهوية والمرجعية، فالتقنية تتعامل مع البشر بالتساوي وحسب الأنظمة، ورأينا كيف استقبل الناس إيجابياً الخدمات الإلكترونية التي دخلت في أعمال وزارة الداخلية.. وجهات أخرى. لقد انعكست على الإحساس بالمواطنة، وعدالة الخدمة أعطت المستفيد/المواطن القيمة الإنسانية التي يستحقها، والوصول لتحقيق هذا الهدف والإنجاز هو من أولويات شروط العقد الاجتماعي الذي ينشأ بين الحكومة والناس، أي (تحقيق الكرامة) وحفظها وتطبيق كل ما يؤدي إليها.
إن الإحساس بالعدالة شعور راقٍ ومريحٍ للنفس الإنسانية، ويتحقق من الممارسات الواقعية التي يراها الناس، وهذا الذي يجعلنا نواصل المطالبة بالتوسع بالخدمات والتعاملات الرقمية التي تنجز مصالح الناس بدون تأخير أو تعطيل أو طلب وساطات وشفاعات. والأهم أن الخدمات الإلكترونية قابلة للقياس والمتابعة والتدقيق، وهذه الخاصية تضمن الحقوق لكل الأطراف المتعاملة، وتتيح تعزيز الشفافية والمسألة.. وأيضاً الثناء والمكافأة لمن ينجزها ويقوم عليها.
طبعاً التعاملات الإلكترونية عملية معقدة وصعبة، وليست مجرد برامج وتطبيقات وواجهات ومنصات رقمية تستقبل طلبات الخدمة، بل هي منظومة متكاملة من الإجراءات والخطوات بدءاً من استقبال الطلب ثم تمريره ومعالجته داخل الجهاز أو الدائرة الحكومية طبقاً للأنظمة والتعليمات المطبّقة على الجميع، وهذا هو الأهم لإنجاح التعاملات الإلكترونية، وهذا هو مؤشر النجاح الذي نتطلع إليه.
في سبيل محاربة الفساد في المشاريع الخدمية الواسعة التي تُعتمد في ميزانية الدولة، نحتاج التوسع في تطبيقات الحكومة الإلكترونية لأجل تعزيز الشفافية في مجال المشاريع وترسية العقود التي تعتمد في ميزانية الحكومة. الذي يراه المختصون في الإدارة الحكومية ويخدم مسعانا النبيل لمحاربة الفساد هو ضرورة وضع قاعدة معلومات مفصلة عن المشاريع التي تعتمد لكل وزارة أو هيئة حكومية لديها ميزانية مستقلة.
قاعدة المعلومات هذه يفترض أن تتضمن معلومات متاحة للناس ومفصلة عن كل مشروع وخدمة، مثل التكلفة، ومدة التنفيذ، والمقاول المنفذ، والمواصفات الفنية بتكلفتها التفصيلية، وأيضاً تفاصيل عن عقد الجهة الاستشارية المشرفة وما هو مطلوب منها.. وغير ذلك، أي وضع قاعدة معلومات لجميع التفاصيل التي تخدم متطلبات الشفافية والإفصاح، وتخدم مراقبة الجودة، وتكون هذه القاعدة في بوابات الوزارات والهيئات الرقمية وتحت مسؤوليتها، وهنا يضاف عنصر المراقبة والمتابعة الشعبية لتدعم جهد المؤسسات الرقابية، وأيضاً تساعد الأجهزة الحكومية لكي تحصل على خبرة فنية مجانية من المختصين.
البدء في التوسع في كل ما يؤدي إلى الشفافية والنزاهة وعرض التفاصيل عن الاعتمادات المالية وطرق تنفيذها ضروري أن نباشره ونحوله إلى ممارسه تلقائية، لأننا نواجه ارتفاعاً مستمراً في النفقات العامة للحكومة، ومن ضرورات المرحلة القادمة التوسع في السياسات الضريبية، وكما نعلم لا يمكن إدخال الضرائب والتوسع فيها بدون التوسع في متطلبات وأدوات وآليات الشفافية وعرض التفاصيل المالية عن نفقات الحكومة، فالحكومات من حقها تحصيل الإيرادات الضرورية التي تساعدها لاستدامة الإنفاق، وفي المقابل الناس أيضاً من حقها الاطمئنان على كفاءة وعدالة الإنفاق وحسن تدبير الأمور.