أمل بنت فهد
تحتاج كل وظيفة في الحياة إلى معرفة لتحقيق حد أدنى من المهارة والإتقان.. فالمعلم لا بد أن يتقن مهارات التدريس.. والطبيب يفهم حالة الجسد الذي سيعالجه.. حتى عامل النظافة البسيط يحتاج أن يعرف كيف يستخدم معداته.. ولا بد أن يفهم كل مادة بين يديه.. فيم تستخدم.. وفهم أدوات الوظيفة لها أبعاد أمنية وإبداعية.. فماذا عن أهم وظيفة في حياتك.. وظيفتك الخاصة والتي ليس عليها رقابة.. وليس لها معايير خارجية.. ولا يوجد أحد مسؤول عنها عداك أنت.. هل تعرفها؟ وإن عرفتها هل تملك المهارة الكافية لتقوم بها؟
فأكثر البشر مشغولون بأمور لا تعنيهم.. ولا تقدم ولا تؤخر فيهم.. ولا يملكون من أمرها شيئاً.. لكنها شغلهم الشاغل.. ورغم ذلك فإنها لا تنفك عن الاشتغال بها.. كمن يبحث عن نهر في الصحراء.. وإن حاولت أن تلاحظ فيم تتحدث الناس غالباً.. ستسمع عن كل شيء.. السياسة.. الصحة.. الموضة.. حياة الآخرين ومشاكلهم.. كل شيء وأي شيء.. وسوف تلاحظ كمية التذمر الضخمة في كلماتهم.. وقليلاً ما تصادف إنساناً مهتماً بنفسه فعلاً.. مهتما بسعادته.. هادئا في حديثه.. محددا في توجهاته.. لأنه مدرك لأعمق وظيفة يقوم بها.. وظيفته العظمى هي سعادته.. ورصد الأمور التي ترفع معدل دقات قلبه نشوةً.. والأماكن التي ترتاح لها روحه.. والأشخاص الذين يواكبون تطلعاته نحو سعادته.. إنه مشغول بنفسه.. لذا ليس لديه فائض وقت لينفقه دون حساب على أمور ليست من شأنه.. ولا تحقق له أكثر من الغضب.. أو الحزن.. أو التوتر.. إنه في معزل عن الكدر وأسبابه.. اعتزل الجدل وأهله.. يملك إيماناً عميقاً بالحرية.. لذا لا يلفت انتباهه سلوك الآخرين.. ولا أشكالهم.. ولا ملبسهم.. يهمه صفاء ذهنه من السطحيات التي تراكمت فوق بعضها في عقول الآخرين.. وتضخمت لتصبح قضية وموقفا.. وهي أقل من ذلك بكثير.
وظيفتك أن تكون سعيداً.. جداً.. وتشع بهجةً وانطلاقاً.. عمرها عمرك القصير.. وفي كل مرحلة عمرية تتقاعد فيها عن بعض الرغبات.. والتقاعد الأخير في آخر زفرة تطلقها ويتوقف كل شيء عن الحياة.
لذا توقف قليلاً.. توقف عن النقد.. توقف عن الجدل.. توقف عن انتظار الغائب.. انتظار التبرير.. انتظار الاهتمام.. توقف عن الانتظار بكل ما فيه.. وافعل لنفسك ما تريده.. افعلها قبل التقاعد الأخير.