فضل بن سعد البوعينين
بعد الجهود الموفقة للجنة العليا لمحاربة الفساد؛ وتمكنها من ضبط أمراء ووزراء ومتنفذين متهمين بقضايا فساد كبرى؛ توجهت أنظار المواطنين إلى أطراف الفساد المنتشرة في المحافظات والمناطق التي يعتقد أنها من مسببات تمكين الفاسدين من الاستيلاء على الأراضي الحكومية؛ وتسهيل حصولهم على تصاريح مخططات الأراضي وإعادة بيعها للعامة؛ وتوثيق مخالصات المشروعات التنموية على الرغم من رداءة تنفيذها؛ أو عدم مطابقتها المواصفات الأولية؛ أو ربما عدم تطابق حجم المشروع المنفذ مع المشروع المعتمد في الميزانية، وبما يسهم في إيجاد وفر مالي لمصلحة المنفذين؛ والمستفيدين من عمليات التلاعب في الكميات؛ ومواصفات المشروعات المعتمدة؛ أو عدم وجود المشروع المعتمد في الميزانية؛ والمستلم من الجهة الحكومية؛ على أرض الواقع؛ رغم وجود المخالصات ومستندات الاستلام الرسمية.
مثل تلك المخالفات لا يمكن تنفيذها من طرف واحد؛ بل تحتاج دائما إلى أطراف متعددة؛ وربما شبكة منظمة يتوزع أفرادها بين المستويات الإدارية المختلفة لضمان تنفيذها عمليات الفساد بعيدا عن أعين الرقابة.
ثقافة الفساد في بعض الأجهزة الحكومية في حاجة ماسة إلى مراجعة حازمة من قبل اللجنة العليا لمحاربة الفساد؛ وبما يضمن تجفيف منابعه؛ وقطع روابط شبكاته المنظمة.
النجاح المحقق في مستويات الفساد العليا يجب ألا يتوقف؛ بل يفترض أن يستمر نزولا إلى الأسفل؛ وبما يضمن التعامل بكفاءة مع شبكات الفساد وسلاسلها؛ في الجانبين الرأسي والأفقي، فإذا كانت الأموال القذرة التي يعتقد أن الفاسدين تمكنوا من جمعها خلال السنوات الماضية قُدِّرت بـ100 مليار دولار، فمن المتوقع أن يناهز الفاقد من الإنفاق الحكومي لأسباب مرتبطة بفساد الأطراف 200 مليار دولار عطفا على ضخامة الإنفاق الحكومي وحجم المشروعات المنفذة التي يصنف أكثرها ضمن المشروعات الرديئة أو المتعثرة، هذا بخلاف جملة الرشى المدفوعة لشرعنة المخالفات؛ واستغلال المنصب بما فيه ابتزاز المستثمرين والمواطنين والإضرار بمصالحهم التي تعتبر جزءا من المصالح الوطنية.
بعض الأمانات والبلديات مسؤولة عن كثير من الهدر المالي؛ والتجاوزات القانونية والمالية؛ بل يعتقد أنها كانت السبب الرئيس في ضياع أراضي الدولة وبخاصة الشواطئ البحرية؛ وعرقلة التنمية؛ وتشوه مخرجاتها.
ما يحدث في الأمانات والبلديات في حاجة إلى مراجعة عاجلة وتدقيق حصيف قادر على كشف سجل الفساد المتراكم خلال العقدين الماضين؛ وتطبيق قانون «من أين لك هذا» الذي سيفضح أصحاب الثروات من (بسطاء) الموظفين.
الأمر عينه ينطبق على بعض كتابات العدل؛ التي أسهم بعض موظفيها في توثيق سرقات أراضي الدولة؛ وعرقلة توثيق أراضي المواطنين بهدف تكريس وقف الإفراغ أو تعقيده لخلق سوق سوداء يستفيد منها وسطاء الإفراغ الذين يتقاضون أموالا طائلة حين إنجاز بعض الأراضي المصنفة ضمن المخططات الموقوفة.
سرقة الأراضي الحكومية تحتاج دائما إلى ثلاثة أطراف مترابطة؛ الأمانة أو البلدية؛ وكاتب عدل ومواطن تسجل باسمه تلك الأراضي المنهوبة، ما يستوجب مواجهتهم جميعا لضمان تعزيز النزاهة ووقف تجاوزاتهم وتسهيل شؤون المواطنين.
سأمتنع اليوم عن طرح نماذج حقيقية لكل ما ذكر في هذا المقال؛ إلا أن الشواهد الكبرى واضحة للعيان؛ ولكل من أراد تتبع خيوط الفساد بهدف القضاء على أطرافه وتنظيماته وتعقيم البيئة الحكومية من ممارسات الفساد. وتعزيز قيم النزاهة؛ وتحويلها إلى ثقافة عامة تستوجب تجريف أراضي الفساد وتعقيمها من أجل غرس بذور النزاهة واحتضان شجرة العدل المثمرة بالخيرات.