د. حسن بن فهد الهويمل
من حق المتمكن من ميوله، ونوازعه، ألَّا يَغْمط نفسه حقها. وألا يحقر قدراته تحت أي مبرر.
وواجبه مبادرة المسؤولية، ليقيل العثرات، ويستعيد الكرامات. بوصف المُضَلَّلِ مجروح الكرامة، ناقص الأهلية.
وحسم اللغط بالقول، أو بالفعل، لا يتأتى لكل المتقحمين، المخدرين بطفح الإعلام المأجور. وإنما هو للمتمكن الأمكن، الذي لم يذعن لِلاعبٍ، ولا لمخادع، أو مخاتل، يحْتنك من لديه قابلية للاستلام. وإن جاء المحتسب بقدراته، وإمكانياته من الصفوف الخلفية.
[يوسف] عليه السلام قال لعزيز مصر:- {اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ}. مع أنها مقولة تحمل في تشريعنا سمتين محظورتين:
- [تزكية النفس].
- و[طلب الإمارة].
وفعله استكمال لمتطلبات الرسالة، وإثبات للأهلية.
لقد خَبَرتُ الواقع السياسي في كافة المشاهد العالمية:
- قراءة، تبلغ حد الإدمان.
- ومعايشة لكافة الممارسات السياسية، تبلغ حد الهوس.
كما قعَّرت الرؤية في مشاهدنا العربية، لأنها قدرنا المأزوم، ومصيرنا المحتوم.
ومن لم أرصد ممارساته، أتَلَمَّس خيوطها من [السير الذاتية] التي يكتبها صنّاع القرارات السياسية. بعد مبارحتهم سدة الحكم. كما أخاتلها من فيوض اللعب السياسية التي تبدي أعناقها في خواتيم الأداء المحكم.
و[السير الذاتية] من أدب الاعتراف بما حصل، والتنصل من المقترفات. وقد تكون السيرة مفردة من مفردات اللعب، للتضليل، والتشكيك. ولكنها تظل المفاتيح لكثير من مبْهمات السياسة.
المؤذي، والمحبط للراصدين، والمتعقبين لعشّاق التسلط من الانقلابيين العسكريين - باستثناء [سوار الذهب]، و[المشير طنطاوي] - أنّ كل واحد منهم يعمل على شاكلته.
لا يشارك مَنْ حوله في الهم، ولا يحسب للمصالح المشتركة، ولا للمصير المشترك أي حساب. فيده مطلقة، وإرادته نافذة، وممارساته مقدسة، لا يأتيها الباطل، ولا يرقى إليها الشك. والناس من حوله مسلِّمون: طوعاً، أو كرهاً.
وليس هناك في عالمه السياسي محرَّم، ولا محظور. بل ليس هناك سقف، ولا حد يقف دونه فيما يأتي، أو يذر.
وسقف الحرية لمن دونه يدنو، ويتدلى، ليكون قاب قوسين، أو أدنى حتى:-
[يَكَادُ يَلْمَسُه مَنْ قَامَ بِالرَّاحِ]. ومَنْ تحته يزحفون على بطونهم.
هذه الممارسة السياسية، وتلك اللغة الإعلامية نَشَأت في ظلها أجيال خاوية الأفكار، مخصية الشفاه، سريعة الانقياد.
فيما تظل السياسة الغربية تصنع إنسانها مَعْرفةً، وتربيةً، ووعياً.
فالمواطن الغربي يتشكل وعيه السليم من إعلامه الصادق.
فيما يتعذب الإنسان العربي من فيوض التضليل، والتآمر. والسياسة الغربية لها مسلّمات، وثوابت إزاء المشرق العربي، لا تحيد عنها تحت أي ظرف.
وهي ثوابت لا يمكن تجاهلها، فضلاً عن تجاوزها. ومن أخطرها رعاية الفوضى، والتنازع، والجهل، ودعم الأقليات، والفرقة، والتخلف، والحرص على تزييف الوعي، وقلب الحقائق. واغتيال الكرامة، والنباهة، وتصنيم الطغاة، الذين لا يحملون طهر الصنم.
تلك حقائق لا يماري فيها إلا جاهل، أو مغالط.
وجلّ الخطابات الانقلابية، تُمارس العمالة بأبشع صورها، وتفتري الكذب.
وتدارك الأمر يحتاج إلى [غسيل المخ]، و[إعادة صياغة الوعي]. وتلك عملية تربوية، تثقيفية، تغيِّر النسق الثقافي الذي توارثته الأجيال صاغراً عن صاغر.
وهي أدواءٌ لا يصلح معها أن نقول هذا صحيح، وهذا خطأ. أو هذا حلال، وهذا حرام. لا بد من التدخل الجراحي، والتخدير الشامل، لانتزاع القناعات الزائفة.
وتلك عمليات طويلة، وشاقة، وخطيرة. ولكنها ضرورية.
عالمنا العربي في ظل هذه الظروف يعيش حالة من التيه. ومن السهل اقتياده إلى حتفه عبر كلمات مضللة.
قرأت فيما قرأت، - وأنا مغرم بالشواذ من الآراء، سعياً وراء استكمال الصور الذهنية عن واقعنا - تغريدةً يقول صاحبها:-
[من هرب بدينه ذهب إلى قطر، ومن هرب من دينه ذهب إلى الإمارات].
ومُشيع مثل هذه التغريدات مُجَنَّدٌ جلد، أو مَصْنُوعٌ غبي على عين هذه الفوضى الفكرية. وفي كلتا الحالتين نحن أمام ظاهرة فكرية، لا يَسْتَخِفُّ بها إلا ناقص وعي، أو ضعيف إيمان. والمرور بمثل هذا اللغط لا يُعَد من المرور باللغو. إنه يمثل عينة من وعي الأمة.
أنا لا أزكي، ولا أدافع، ولكنني على يقين من أنّ مثل هذه المقولة تحمل في طياتها مفتريات، صُنعت على أعين اللاعبين الأذكياء، ونفّذها العملاء المغفلون.
ما أود الإشارة إليه، وهو ما يجهله الثملون من التعاطي مع الإعلام المنظم باحترافية فائقة، أنّ هناك صراعاً حول الزعامة الدينية المترائية للعملاء كغنيمة باردة.
[المملكة العربية السعودية] لها مشروعها الإسلامي، ورسالتها الدينية المرتبطة بالمقدسات، والمنطلقة منها، وهي مقدسات يأرز إليها الإيمان، لأنها تتمثله: قولاً، وعملاً. ومشروعها هو الأقوى، والأعم في سياق المشاريع الفقاعية. إنه يشكل غصَّة في حلوق الأدعياء المُسْتَدْرجين للبسطاء.
لقد استمات [الروافض] لأخذ زمام المبادرة، وتشكيل الأمة تشكيلاً طائفياً، ولكن نصالهم تكّسر بعضها على بعض:- {وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاء}.
و[المتصوفة] يحلمون بممارسة الدور ذاته، ولكن خيبات الأمل قعدت لهم كل مرصد:- {كُلَّمَا أَوْقَدُواْ نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللّهُ}.
واليوم بدأ [الغزو، وهدم الحصون من الداخل] فكانت [الأحزاب]، و[الحركات] و[المنظمات] المتَّشِحَة برداء الإسلام، والمستَدرة لعواطف الدهماء، تعمل من الداخل بدعم من الحالمين بالزعامة الإسلامية العميلة.
وهدف الجميع توهين [المشروع السعودي] المنطلق من الاتباع، والتسامح، والتعايش، والتفاعل. والمرتبط بالمقدسات، والمنطلق من فضاءاتها الرحبة.
وليس أضَرَّ على [أهل السنّة، والجماعة] من عملاء مخادعين، امتدت أيديهم إلى التشيُّع المجوسي، الذي لا يمت بصلة إلى التشيُّع العربي.
فبعض الحركات الإسلامية السنّية قبلت بالزعامة المجوسية الصفوية، وتبادلت معها اللقاءات، ووجهت خطاباتها ضد المناوئين لها، وضد المشروع الإسلامي الوسطي المتسامح الاستيعابي الذي تتبناه المملكة.
وكيف يتأتى احتواء مثل تلك [الأحزاب]، و[الحركات]، و[الجماعات]، و[المنظمات] وهي تهرول إلى [الآيات، والملالي]، وتبسط يدها للعدو الألد للأمة العربية، والإسلامية.
هذه الممارسات المشبوهة تبيع قوميتها، وإسلامها، ووحدتها. وتتبدى للسذج، والمغفلين بأنها تؤوي الهاربين بإسلامهم.
ولست بصدد تفكيك تلك الظواهر، التي لا تخفى إلا على عمي البصائر والأبصار.
في النهاية الزمن زمن مواجهة الذات، لا مواجهة الآخر. فمن أراد الخروج أعدَّ له عدّته، ومن العدة إصلاح الذات. وتصفية الخلافات. وعذر الخلايا النائمة حين تدمغهم بالحقائق أنّ ممانعة المملكة ألجأت الإسلاميين لـ[إيران] وهو عذر أقبح من فعل. وهذا يذكرني بـ[كافلة الأيتام …].