فهد بن جليد
تقول ويندي باتريك مازاريلا في كتابها (قراءة الناس)، وهو الأكثر مبيعاً وفق قائمة (نيويورك تايمز)، والذي تشاركت في تأليفه مع الدكتور جو إلان ديميتريوس «عندما كنت طفلة، اعتادت أمي أن تقول لي: لا يهم ما تقولينه، بل المهم طريقة قوله»، وهذه حقيقة اكتشفتها المؤلفة لاحقاً، وتعد اليوم قاعدة مهمة في معرفة حقائق الأمور وصدق مشاعر الآخرين من حولك، تبعاً لطريقة حديث الناس ونبرات أصواتهم ورسائلهم (المبطنة) غير اللفظية، التي قد لا تعكسها الألفاظ والكلمات المستخدمة، وتكشف لك حقيقة ما لا يمكن قوله لأسباب مختلفة.
ليس المطلوب قراءة وفهم أفكار الأشخاص التي يتكتمون عليها -وهو أمر بالمناسبة غير مستحيل- وله علم مستقل يسمى (الباراسايكولوجي) أو(الفراسة) في ثقافتنا العربية، يمكن التوسع فيه وإتقانه بالدراسة والتمعن والتجارب التطبيقية، وهو يعتمد على الاستبصار والتركيز في الحركات والإيماءات التي تصدر من الآخرين وكيف يمكن قراءاتها، ولكن ما أريد التطرّق له هنا هو حزمة من المفاهيم الجديدة المصاحبة لأحاديثنا التقليدية وطريقة كلامنا اليومية، والتي قد تعطي إشارات خاطئة لا نود وصولها لمن نتحدث إليهم، وفي مقدمتها الارتفاع غير المقصود في حدة الصوت ونبرته خصوصاً عند الاندماج في الحوار والنقاش، خصوصاً أنَّ الصوت العالي لا يعني قوة الحجة أو الصدق بل قد تختبئ خلفه شخصية تحاول التعويض عن نقص ما، بمحاولة التحكم في الآخرين وإرهابهم وتخويفهم، كما أنَّ الصوت الهادئ أو المنخفض لم يعد دلالة على الشخصية المهزوزة كما يعتقد سابقاً نتيجة نقص الثقة أو الخوف، بل قد يعني الثقة المطلقة، على طريقة إذا أردت فهم ما لديَّ فعليك الإنصات الجيد والكامل.
مراجعة طريقة كلامنا وتصحيحها وتجويدها نحو الأفضل، لا تقل أهمية عن الاهتمام بنوعية الألفاظ واختيار الكلمات, لعكس المكانة والثقافة والفهم، ففيها تتحكم عوامل عدة مثل طريقة الجلوس، ونبرة الصوت، وسرعة الكلام، وهذه الأخيرة تصفها (كايتي شوارتز) رئيسة مؤسسة التدريب على الخطاب في دروهام بكاليفورنيا بأنَّها أهم ما يتحكم في وصول رسالتنا بوضوح للآخرين، ومن أفضل الاختبارات لذلك أن تقوم بإملاء رقم هاتفك على شخص، فإذا تمكن من تدوينه بسهولة فأنت تتحدث ببطء كاف ومقبول، وفي حال طلب التأكيد على رقم أو إعادته، فلديك مشكلة تحتاج إلى حل.
متى ما أتقنَّا فن الكلام، وفن الإنصات معاً.. فستنتهي معظم مشاكلنا، الأمر لا يتطلب سوى الاستزادة والتدريب.
وعلى دروب الخير نلتقي.