عبده الأسمري
تعرفه «متون الشعر» وتألفه «فنون القافية».. عاش أديبًا حول الصحراء لقصيدة وشكل رمزية البادية إلى أسطورة واتكأ على منهج فريد محولاً «النص الشعري» إلى موسيقى كلامية وارتهن إلى فلسفة عميقة جعلته سيدًا للشعر وعميدًا للقصيد.
إنه سيد البيد شاعر التضاريس محمد الثبيتي -رحمه الله- أحد أبرز الشعراء التفعيليين في الوطن العربي وأحد أشهر رموز أدب الحداثة.
بوجه تسكنه ومضات الصمت وإمضاءات القرية وعينين واسعتين لامعتين وملامح بدوية أصيلة تنطق بالمعروف وتشحذ بالهمم وشارب عريض يكمل كاريزما هادئة تحمل سمتًا مهيبًا تشع فكرًا وتسطع شعرًا وصوت جهوري تتكامل فيه مفردات الفصحى وتكتمل معه انفرادات الأدب طل وحل واستحل «الثبيتي» مضارب القصيدة وضروب الشعر كشاعر سجل منطقه «الخاص ومنطوقه الفريد في سيرة عنوانها «الإبداع» وتفاصيلها «كرم ثقافي» جاد به فأجاد رسم مشهد الشعر في «خريطة مهيبة» في نصوص حرة وحرية مرة واجهها بروحه الباحثة عن الشعر الأسطوري ونفسه المتسامحة حين الاختلاف الفكري.
في قرى بلاد بني سعد جنوب مدينة الطائف ولد الثبيتي في بداية الخمسينيات وكان يستمع إلى قصص أجداده وسير المسافرين إلى مكة عن قصص العصامية في البادية وحكايات الكرم بالقرى وإرث التاريخ في جنبات التلال ومراتع الرمل.. محتفلاً بحصاد «الورد الطائفي» ومبتهلاً بـ»روائح فواكه الصيف» و»مسامرات الشتاء» فنشأ مسجوعًا بصوت قصائد الأولين وتصفيق الآخرين فظل باحثًا في قريته الصغيرة عن سر «الكفاح في عيون الرعاة» وجهر الفلاح في وجوه الطيبين» درس هناك دراسته الأولى وتجرع اليتم الذي كان حاضرًا في سيكولوجيا شعره فبدأت قصته مع «تضاريس الشعور» و»متاريس الشعر» ثم انتقل مع عمه إلى مكة التي أحب ترابها وعانق مكتباتها وتعانق مع نسمات «الثقافة» فيها شابًا ونال البكالوريوس في العلوم الاجتماعية من كلية المعلمين. وعمل معلمًا في مدارس التعليم العام فترة ثم تم توجيهه إلى المكتبة العامة ليشبع ذاته المعرفية بالكتب والمجلدات.
قدم الثبيتي خلال مسيرته الأدبية مجموعة من الأعمال الشعرية كان من أهمها قصيدة تغريبة القوافل والمطر وديوان التضاريس. وديوان موقف الرمال. وديوان تهجيت حلمًا تهجيت وهمًا. وديوان عاشقة الزمن الوردي. وديوان محمد الثبيتي (الأعمال الكاملة). الذي تولى طباعة النادي الأدبي بحائل.
نال الثبيتي عدة جوائز منها جائزة نادي جدة الثقافي عام 1991 عن ديوان «التضاريس»، وجائزة اللوتس في الإبداع عن الديوان نفسه، وجائزة أفضل قصيدة في الدورة السابعة لمؤسسة جائزة عبد العزيز سعود البابطين للإبداع الشعري عام 2000، عن قصيدة «موقف الرمال.. موقف الجناس»، وجائزة ولقب «شاعر عكاظ» عام 2007.
في معادلة شهدت شدًا وجذبًا مع التيار الصحوي وقف الثبيتي بصمته المعتاد يجمع العتاد «كلمة» والسداد «نصا» والمداد «شعراً» في مسيرة جعلته متوافقًا مع ذاته متفقًا مع حداثته. أدار مهجة اتجاهه حيث بوصلة «ندى المطر» و»رائحة الرمل» في ذاكرته المشبعة بالدجى والضحى واللظى والغضا والحمى والوجى..
ثبت الثبيتي كعمود الضحى وكتب تراتيل البدء مرتكنًا إلى «الفلسفة الروحية» و»التناغم اللغوي» الذي حولت الرمال والخيام ونجمة الصبح والرياح إلى جمال نطقت به النصوص فاستنطقت فيه «التضاريس» بموسيقى فاخرة تنطق شعرًا وتتحدث «أدبًا».
ترك الثبيتي «الهوامش» في نصوصه «فارغة» بينما ملأ المتون «ألغازًا فاتنة» عطرها بجاذبية عجيبة وأمطرها بعذوبة مدهشة ظلت «دروسًا نقدية» و»قصائد راقصة».
كان الثبيتي بذخًا في ربط الأماكن بسيكولوجية الإنسان ومزج الرمزية بأحاسيس الشعور فكون منهجًا في علم النفس الأدبي سائرًا إلى حيث تشتاق «المنصات والأمسيات» لنصوص تستلهم الشعر وتلهم المشاعر.
تفنن الثبيتي في جذب اتجاهات الإبداع إلى منتصف محور نصوصه التي شكلت «هدايا مغلفة بالمفردات الساحرة».
رحل الثبيتي في يناير 2011، بعد غيبوبة كاملة طويلة لأزمته منذ شهر مارس عام 2009 ولكنه ظل حاضرًا في روح الثقافة ناضرًا في بوح الأدب مهيمنًا بصمته الذي عكس صفاء سريرته مسيطرًا على الذائقة بنتاج المفردة وتفرّد الإنتاج.