هاني سالم مسهور
انتفاضة صنعاء وإن تأخرت لكنها جاءت؛ فلا يليق بعاصمة عربية عريقة أن تتلبس بلباس غير عربي. لحقت صنعاء بركب عدن، وأعلنت نفسها أنها مدينة تستحق كل ما بذل من أجلها، سواء من أرواح أو أموال؛ فهذه صنعاء التي كانت وستبقى أبدًا عربية..
تحولات المشهد اليمني ليست جديدة في السياق التاريخي السياسي لليمن المعاصر؛ فالقراءة في التاريخ اليمني تعيد تكرار هذه التحولات الحادة، فقبل أكثر من نصف قرن عرف اليمن التحول الحاد ذاته بعد ثورة 26 سبتمبر 1962م، واستعصاء الانتقال السياسي من الإمامة إلى الجمهورية حتى جاء العام 1970م وشهد منعطفًا سياسيًّا، أنهى فعليًّا حكم الإمامة، وأطلق الحياة للجمهورية العربية اليمنية. التحول ذاته تكرر في أزمات مختلفة شمالاً وجنوبًا؛ فلم يكن اليمن ذات مرة يتعامل بواقعية السياسة ومعطياتها بمقدار المنعطفات الحادة التي تحكم الساسة اليمنيين.
كما سقطت صنعاء في غفلة من التاريخ استعادت صنعاء نفسها، ونجحت في الإمساك بزمام المبادرة؛ فلم يكن لحضور الحوثي قبولٌ في اليمن؛ ليس لأن الحوثيين لا ينتمون إلى هذا البلد، بل لأن الحوثيين جاؤوا إلى صنعاء يحملون على ظهورهم مشروعًا (خمينيًّا) تآمريًّا على العرب.. هنا تمثلت الإشكالية مع الحوثيين وأفكارهم الجاهلية التي لا تنسجم وروح العصر، وحتى وتقاليد اليمن المذهبية التي لطالما تخاصمت وتصارعت وتقاتلت دون أن تستدعي الطائفية البغيضة التي جاء بها الحوثيون. انتفضت صنعاء، ودخل اليمن كله مرحلة جديدة من التوازنات السياسية، فلطالما كان اليمنيون غير تقليديين في سرعة انهيار تحالفاتهم السياسية وبناء تحالفات جديدة، وهذا ما يحدث بتسارع كبير؛ فلقد قرر المؤتمر الشعبي العام إنهاء شراكته مع الحوثيين، وفتح الأبواب على مصراعيها لتحالفات سياسية جديدة، تفتح آفاقًا مختلفة من معطيات السياسة في اليمن.
قبل الثاني من ديسمبر عاشت صنعاء على مدى ثلاثة أيام أوضاعًا متأرجحة في ظل ضغط الحوثيين على أنصار المؤتمر الشعبي العام، وتمادوا كثيرًا في إذلالهم. وهنا يجب التذكير بأن ما حدث كان نتاج تصادمات نشأت منذ قبول رئيس المؤتمر الشعبي العام علي عبدالله صالح بمبادرة الأمم المتحدة بتسليم ميناء الحديدة لطرف ثالث؛ ما خلق أزمة بدأت في 24 أغسطس 2017م، وانتهت في 2 ديسمبر بانتفاضة شعارها (لا حوثي بعد اليوم). ما يجب حيال ما حدث ويحدث في صنعاء هو ما انتهجه تحالف دعم الشرعية بتأييد الانتفاضة، وبث رسائل تعزيز لهذه الانتفاضة، وأهمها رسالة السفير السعودي في اليمن محمد آل جابر ووزير الشؤون الخارجية الإماراتي د. أنو قرقاش ووزير خارجية البحرين خالد بن أحمد آل خليفة. هذه الديناميكية الفاعلة والحضور السياسي مع التفاعلات في داخل اليمن مما يعزز دور التحالف العربي في السيطرة على المشهد السياسي، والاحتفاظ بالقدر الذي يضمن أكبر قدر من الاستقرار نتيجة فض الشراكة بين طرفَي الانقلاب، وترك الحوثيين يواجهون مصيرهم أمام الشعب اليمني. عادت صنعاء بنبوءة شاعرها الكبير عبدالله البردوني؛ فلقد كتب قصيدة، بشَّر فيها اليمنيين بميلاد صنعاء في ديسمبر بعد أن تعاني أوجاع الولادة، وتعتصر حتى تأتي صنعاء في موعدها؛ لتكون كما عدن، وبانتظار أخريات، هن بيروت وبغداد ودمشق؛ فكل المدن العربية ستعود إلى البيت العربي لطالما كان في العروبة سلمان الحزم والعزم والوفاء.