محمد آل الشيخ
السياسة لا علاقة لها بالعنتريات والشعارات الرنانة، المفعمة بالبطولات المزعومة، وتقمص دور النضال والمناضلين، ولكنها - بمنتهى البساطة - هي الموضوعية والعقلانية والعمل على تحقيق المصالح العليا للدولة تدور معها حيث دارت واتجهت، حتى وإن عادت إلى حيث ابتدأت، وهذا ما تفتقده حكومة نظام الحمدين الحاكم في قطر؛ فالموضوعية العقلانية تقول: إنّ مقاطعة الدول الأربع جميعها دون استثناء ليست لها (إطلاقاً)، أي انعكاسات سلبية عليها، سيما وأنّ المملكة هي اليوم دولة حيوية وقوية، تواجه قضاياها ولا تتنازل عن حقوقها، وتحتل تحركاتها، ونشاطات دبلوماسييها، صدارة نشرات الأخبار، ومانشيتات كبار الصحف، العربية والعالمية، ولديها قضايا إقليمية وعربية، وإسلامية إستراتيجية كبرى، ما يجعل قطر، وأزمة قطر، تتراجع إلى قاع الأولويات بالنسبة لها، كما أنّ قناتها، وهي أهم ما تملكه قطر، تراجعت نسب مشاهدتها ومتابعتها، إلى الحضيض، بعد أن دخل منافسون آخرون جدد، بقوة ومهنية واحترافية، تفوق وبمراحل مهنية قناة الجزيرة، بعد أن كانت في الماضي القريب تحتل الصدارة في نسب المشاهدة.
كما أنّ قطر، وتنظيم الحمدين تحديداًَ، يعيشون في كل شؤونهم ضرباً من ضروب مُكابرة (المنهزم)، الذي لا يريد أن يعترف بهزيمته، ما جعل تكلفة الهزيمة مع مرور الزمن أكثر مما كانت ستكلفه لو اعترف بها مبكراً.
قطر صرفت مليارات الدولارات على ما كانت تسمية (الربيع العربي)، وهذا الربيع المزعوم فشل فشلاً ذريعاً، وانتهى إلى براك من الدماء، وقتلى وجرحى ومشوهين، وخسرت بسببه قطر سياسياً إلى درجة مهولة، لكنها تأبى أن تعترف بالهزيمة والفشل، وتُغالط، وتصر على أنّ (الربيع العربي) لم ينته كما قال ذلك «حمد بن جاسم بن جبر؛ على قناة البي بي سي، ومعروف أنّ حمداً هذا - كما يقولون - (أذكى) من حمد بن خليفة، أو هو بلغة أدق من يمسك بخيوط السلطة في قطر، أما حمد الثاني الذي كان أميراً، وتنحّى لولده تميم، فهو مريض صحياً، كما يغلب عليه الحُمق والغفلة، إضافة إلى أنه لا يستشرف المستقبل، ولا يُقدِّر الأمور حق قدرها، وغني عن القول - طبعاً - إن تميم المُنصّب كأمير بشكل صوري، هو لا يملك من السلطة، إلا ما يملكه (ساعي البريد) الذي ينحصر دوره في إيصال الرسائل، والعودة بها، ليس إلا.
ولو أنّ في قطر ساسة محترفين، واقعيين، لأدركوا أنّ السياسة الحقيقية لا علاقة لها بالتفكير الرغبوي قدر علاقتها بالواقع ومقتضياته، والواقع يقول بمنتهى الوضوح : (لا حل إلا الإذعان) والتسليم، لأنكم راهنتم على حسابات وقراءات وتوقعات، اتضح الآن أنها كانت خاطئة، والاعتراف بالخطأ، والتعامل مع متطلباته كما هي على الأرض، هو ما تفرضه الواقعية والموضوعية، وإلاّ فإنّ الأمور، داخلياً أولاً، وخارجياً ثانياً، لا يمكن التعويل عليها، خاصة وأن إيران الفارسية، أو تركيا أردوغان العثمانية، ساسة انتهازيون، متى ما وجدوا أنّ قاربكم تعصف به الأمواج العاتية في طريقه للغرق، تركوا قطر، وأهل قطر لشأنها، تواجه مصيرها الكارثي.
أما الإرهابيون الذين جعلتم من بلدكم ملاذاً آمناً لهم، وعلى رأسهم جماعة الإخوان المسلمين، فهم كالثعالب الماكرة، سيكونون هم أول من يبيعوكم، لينجوا بأنفسهم، وينجو التنظيم الذي هو لهم بمثابة (هُبل) لكفار قريش.
إلى اللقاء..