د. خيرية السقاف
تماماً كالهدية حين تشاء أن تقدمها فإنك توفر من وقتك لها حيِّزاً..
تنتقيها بعناية, وليس أية هدية, فإما متجر عطور, أو مجوهرات, أو ورود..
في قمة المختارات تكون هذه الخيارات الثلاثة..
لكنك لن تنتقيها فقط إلا بعد أن تكون قد خصصتها بجزء من مالك, ورفعت نسبته فكثيراً ما تردد بأنّ «قيمة هديتك من قيمتك», يذهب المعنى إلى ذوقك, ولطفك, وأريحيتك, وصفائك..
ثم إنك لا تقف عند حد قيمتها المادية هديتك هذه, ولا نوعها, وخامتها, بل أيضاً تحرص على اختيار إخراجها فتقصد متجراً لتغليفها, وربما تزيينها بفائض من الإضافات, وحين تستوي جاهزة للتقديم فإنك تمدها إلى من تقصد بابتسامة, وببعض عبارات تشي بأنك أيضاً لم تقدم ما يرقى إلى مكانته, ولا يفي باهتمامك به..
هديتك قد تكون رمزية, وقد تكون فخمة, لكن أهم ما فيها أن تناسب مناسبتها, فلا تأتي لمريض في مصحة, بما تأتي به لعريس في فرحة..
هذه الهدايا يمكننا في كثير أن نعدّها جزءاً من فكر المرء, وحسه, وخلقه..
هذه الهدية تماماً يمكنك أن تقدمها في عملك, أو حتى طريقك بشكل آخر
حين تجعلها كلمتك المعبِّرة عن ذوقك, ومشاعرك, وتقديرك للآخرين..
فتقدمها في الشارع, والمصحة, والمسجد, والمتجر, ومداخل الفنادق, وأركان الاستعلامات, والعبور إلى داخل الطائرات, وحيث يتحرك المرء, ويقصد , فتقدمها لسؤال التائه في طريق, أو الحائر في أمر, أو المحتاج لمساعدة, أو العاجز عن وصول, أو المتلهف عند تأخير, أو المضطر بلا موعد, ..
كل هؤلاء في انتظار هدايا من بيده الإجابة, والفعل, والتنفيذ..
تذكرت هذا التماثل, والشبه الكبير بين الهدية مكنوناً, ومثولاً, وأثراً حين قابلت, وشهدت, وسمعت, ورأيت في المطار, وفي الطريق, وفي المصحة, وفي الطائرة قبل يوم واحد فقط كل واحد من شبابنا في موقع عمله يبث هداياه خلقاً, وكلمة, ومبادرة, وابتسامة, وعناية, واهتماماً بمن يقصده دون تفرقة, إنها هدايا كالورود..
وإنهم كأشجار الزهور يتناثرون في كل مكان, يتعاملون بالكثير من الذوق, واللطف, والأدب, ويتبارون في الأريحية لأيِّ سؤال, ويجيبون بأجمل العبارات الكبير, والصغير..
فرحت بهم كثيراً, حين شاهدتهم عند ثغور المعابر, ومنصات الاستعلامات, وردهات المصحات, ومداخل الطائرات, وزحمة المسجد, وهم عند السؤال للإجابة, وعند الحاجة بفورية لكل من يقصدهم يقدمون هدايا بالغة الثمن, زاهية المظهر, عميقة المخبر, مغلفة بروح المسؤولية, وتسابق الأداء, يملأ وجودهم المكان الذي وُضِعوا فيه..
هؤلاء الشباب يستحقون الشكر منا, فهداياهم بالغة الأثر, أريجها يعمر الأجواء, ويحيل البيئة إلى بساتين شاسعة للزهور, حين مُكِّنوا من العمل, وحلّوا في مواقعهم, تباروا في الزهو بثقتنا فيهم, وفخرنا بأدائهم, ونبل أخلاقهم..
بارك الله فيهم, وزادهم خلقاً, وتوفيقاً..