د.ثريا العريض
أنهى مجلس الشورى في الأسبوع الماضي السنة الأولى من دورته السابعة.. وسيبدأ السنة الثانية بجلسة في القاعة الملكية الفخمة، يتشرف فيها بالزيارة السنوية لخادم الحرمين الشريفين يلقي فيها، بإذن الله، كلمته موضحًا المستجدات وما حققته الدولة ومؤسساتها من المنجزات خلال عام، وما تتطلع إلى تحقيقه في العام القادم.
هذه المناسبة الحيوية أهم ما يحدث في المجلس كل عام، وسأفتقد سماع الكلمة الملكية، بعد أن تشرفت بحضورها مباشرة خلال عضويتي في المجلس في الدورة السادسة مع كل الزملاء والزميلات أعضاء مجلس الشورى وأعضاء مجلس الوزراء. كنت خلالها أصغي باهتمام مركزة على استقراء فحوى الكلمة لأجد ما سيوضح لي مؤشر بوصلة التوجه في صنع القرار الأعلى، وبالتالي أين ستتركز الجهود القادمة.
قبل سنوات، حين أكَّد لي أحد أبنائه أن سلمان بن عبد العزيز أمير الرياض يتابع مقالتي اليومية «بيننا كلمة» في جريدة الرياض صباح كل يوم، شعرت فجأة بأن الكتابة مسؤولية وطنية، وليست تسلية ملء فراغ ورقة. وأن الكاتب يحمل مسؤولية إقناع القارئ صانع القرار برؤاه لبناء وطن أجمل.
تذكرت هذا وأنا أقرأ في الصفحة الأخيرة من الجزيرة يوم الخميس بعض سطور من قول له يعود إلى تاريخ 18-10- 2003: «الكلمة أمانة. الكلمة مسؤولية. ويجب علينا أن نحترم الكلمة الصادقة، الكلمة البناءة، الكلمة التي تدل على الخير وتؤشر إليه. الكلمة التي تدافع بها عن الحق وتحارب الباطل. الكلمة المسؤولة التي يقولها الإنسان وهو يعرف ويتحمل مسؤولياتها أمام الله قبل كل شيء ثم أمام مواطنيه».
الملك سلمان متحدث مفوه ومثقف متعمق ومؤرخ متابع ومطلع على ما سجله تاريخ العالم والمنطقة وما يستجد يومًا بيوم في الحاضر. ولذلك فكلماته لا تأتي بصيغة تلك الإنشائية المعتادة، بل تحمل روح تفاعله الذاتي. ومتابعة تسلسل الأفكار فيها تستثير تجربة تحليلية تربط شجون صانع القرار، كما تحددها رؤيته شخصيًا، بمتغيرات الساحة. المتغيرات هذه تتأثر بما يستجد خارج البلاد من أمور تترك آثارها في بلادنا سياسيًا واقتصاديًا، وما يستجد داخل البلاد من أحداث اقتصادية وطبيعية واجتماعية.
خلال العام الفارط استجدت أحداث كثير بعضها جاء بصيغة مفاجئة لم تتح لرجل الشارع أن يستوعب أسبابها ولا تداعياتها، ولكنها لم تهز ثقة المواطن بإخلاص وقدرة القيادة. لعل أهم هذه الأحداث على الصعيد الخارجي توتر العلاقة مع دولة قطر إلى حد قطع العلاقات وإغلاق حدودنا وبيننا لوقف تضرر الجوار من تدخلها المؤذي ودعمها لحراك الإرهاب داخل الحدود. وعلى الصعيد الداخلي استمرت مستجدات إعادة الهيكلة وتغيير بعض المناصب العليا. أما الأكثر مفاجأة إلى حد الذهول فكانت هبة حملة مكافحة الفساد، لاستعادة ما استلب في العقود الماضية من ميزانية مؤسسات الدولة المخصصة للمشروعات والصفقات الشرائية الكبرى. وبلا شك في خلال بضع أسابيع توضحت نتائجها الإيجابية. والقادم يعد بالمزيد.
الكلمة مسؤولية فعلاً: ولذلك حين تشرفنا بمصافحة خادم الحرمين، والأمير محمد بن نايف، والأمير محمد بن سلمان بعد حضور الكلمة الملكية في الشورى بعد الورشة الأولى لبرنامج التحول التي أعلن فيها سموه رؤية 2030، شعرت أنها فرصة ومسؤولية أن أهمس مؤكدة كم هي رؤية صائبة وكم كانت كلمته مؤثرة ومهولة. تستثير رغبة المشاركة الجادة في مسؤولية بناء الوطن برؤية تنمية مستدامة تعيد إليه عافيته.
أتطلع إلى متابعة نص الكلمة الملكية عن بعد، وأتفاءل بما سيفصل عن المرحلة القادمة، خاصة ونحن ننتظر إعلان نتائج حملة مكافحة الفساد داخليًا، مجسدة شعار «لن يفلت من تثبت عليه تهمة الفساد كائنًا من كان»، وننتظر انعقاد القمة الخليجية في الكويت لنرى ماذا سيستجد في مستقبل مجلس التعاون الخليجي.
حماية المستقبل مسؤولية.. لا عدمنا الكلمة الأمانة.. ولا الفعل الحازم الحاسم.