الرصيف:
الحجر الذي انطلق من بين أصابع الرجل الذي تشاجر معي قبل سنوات، توقف عند حافة رأس الرصيف، الرصيف الذي كان يفصل بين حديثه وصمتي، بعد عشرة أسابيع، أحسستُ بأن الليل قد استدار في زمنه وثبّت شمساً حارقة في الجزء المحدد من إصابة الحجر لرأسي، سال الطريق بدماء من شاهد الحجر وهو يتحرك في الهواء طليقا قبل أن يسيل دمي.
إبهام:
اعتاد أن يجد إبهامه مجروحاً، مع كل صباح يستيقظ ليجده هكذا، وفي كل مرة، لا يعرف السبب الذي جرحه، شرخٌ مستطيلٌ كحد السكين، ومرة أكبر قليلاً مع غور عميق، ومرة تبدو طبقة الجلد منزوعة مع احمرارها، غريب هذا الأمر، تُرى ما الذي جَرحَ إبهامي؟!
فأنا عادة لا أقترب من الزوايا الحادة في منزلي، ولا أمر من بين الحواف، ولا حتى التي تتلقفها أصابعي في محاورة ألسنة الآخرين حينما يحتد بيننا الصراع.
لمرة واحدة فقط:
شاهدتهُ وهو يركض في ليل مدلهم، ساقاه متباعدتان، ووجهه لا يكاد يُبين، منطلقاً ما بين أشجار الطلح والسدر، لكنه، فجأة، توقف عند مفترق الأودية، فأخرج رصاصتين من جوف بندقيته، وأخفاهما في جيبه السفلي، وغاب في الوادي البعيد.
المستنبح:
يرمي بنظره في العراء، فلا يجد الكلب الذي أزعجه بالنباح، يعيد تحديقه مرة أخرى في الوادي الممتد دون أن يعثر على كلب ينبح، أخذ حفنة من التراب ورفعها بيده اليمنى إلى ناصية رأسه، دون أن يقذف بها، ليكتشف فجأة أن ذيلاً قصيرًا قد التصق بمؤخرته، توقف قليلاً، أعاد النظر، ليجد حقيقة لم يتوقعها، صرخ في وجه الوادي ليسمع نباحاً متقطعًا يخرج من حنجرته.
الثأر:
يمدُّ العم (طايل) ساقه المكسورة بعد حادثة قفزه من على صخرة متحركة بأعالي الجبال، يتأملها بنصف عين ثم يعدل من جلسته ليتفحص السواد الذي غطى أماكن الجروح، رضوخ، خدوش، بقايا دم متحجر، تحيطه ألوان خضراء وزرقاء يكسوه جلد متقشر، على امتداده ضربات بيضاء لخطوط متعرجة وأخرى مستقيمة تنتهي عند أطراف الأصابع المعوجة. «ما عاد في الساق من باق يا (مسلط)»
يسحب ابنه (مسلط) بندقيته الساكتون بغضب صاعداً الجبال قاصداً الصخرة.
** **
- سامي جريدي