- أنت لست إلاّ حبل غسيل مهجوراً، كم هي صعبة وحدتك أيها المسكين، لا أحد ينظر إليك، أنت خطيئة ثوب قذر.
- هذا كثير عليّ ( يحاول أن يقطع حبل وده الممدود مع النافذة القريبة، يسحب نفسه بعصبية فلا يقدر).
- لن تستطيع إلى ذلك سبيلاً، لازلت رهين تلك النافذة المشقوقة، تلك التي تضحك من يدك النحيفة، انظر الآن لها وهي تحاول تهدئتك بتمسيد خطوط جرحك اللدن، ستظل تقطر هنا، ولن يسمعك أحد.
- كف عن هذا القول، لم تكن إرادتي قوية بما يكفي.
- خلص نفسك إذن، وأنا أقولها وبصلف - أرجو أن لا تغضب مني ( كان يضحك ضحكة صفراء ).
- لن تقدر، أتعرف لماذا؟، لأنك تسلّم نفسك بسهولة.
- ماذا؟
- أنت تسمع، فهمت إشارتي تلك ولن أزيد، أرجو أن تكون في العام القادم حبلاً حرًا لا يحمل فوق رأسه أسرار الناس المنشورة.
كانت هذه المحادثة الصاخبة في فترة ما في حياة حبل لا يأبه به أحد، حبل مشدود لنافذة أكل وجهها الصدأ، هجره أصحاب البيت، بعد أن استنفدوا طاقته كلها، بقي للريح تصفعه مرة، وتغني له مرات كثيرة، لم يعترف لأحد من حبال الغسيل التي لوحظ اندثارها في الآونة الأخيرة في حي يحفل بالتخفي، والجنوح للغموض، كان هو الوحيد - تقريبًا - مع اثنين من العاجزين عن حمل الأسرار كامنين في صدر بيوت أصحابها، اعترف لأحدهم ذات مرة قائلاً، كان المطر عنيفًا ذات مرة، جرحني ولم أستطع الرد، وها قد انقضت سنة منذ حديثنا الذي وعدني فيه بالرجوع إليّ وأنا لم أتغير ، أكرهه، لا أريد أن أراه، بينما الحبل الآخر كان مشغولاً في انتقاء طريقة نومه.
لم يجئ المطر، كان موسمًا صعبًا على حبلنا التعيس، يقول وهو يشغل وقته بترديد ترنيمات حزينة، ربما عليّ أن أكون غيمة، أو ريحًا انتقل من مكان لآخر، دون أن أكون تحت سيطرة نافذة شوهاء كتلك ( كان يرمقها حينها، بنظرة لا تعدو كونها نظرة عابرة ).
لم يشد نفسه كعادته العصبية، يريد تخليص نفسه، ولم يسمع صوت الحبلين اللذين غادرا الحي مصطحبين حريتهما الزكية، كانا أقوى منه في تخليص نفسيهما، بمساعدة الرياح التي أهدت لهما هذه الحرية.
مرت الكثير من الرياح، لكن لم تقنع النافذة في حلولهم التي طرحوها:
- اتركيه لعله يجد نفسه ( قالت الريح الأولى ).
- لا ( قالت النافذة ).
- حان الوقت أيتها النافذة ( قالت الريح الثانية ).
- لا ( قالت النافذة ).
- مزاجك صعب، وسأكسر رأسك ( قالت الريح الثالثة ).
- لا ( قالت النافذة ).
بينما ظل الحبل يشد نفسه بعصبية كبيرة لا تستحق التعاطف أبدًا.
** **
- موضي العتيبي