تبتسم الصغيرة بعينيها في نبضاته وهي تقول:
ـ كلها وردية؛ الحقيبة، الأقلام، والدفاتر. كلها مثل الورد!
ثم تضحك كوردة.
أخوها يقول:
ـ أنا، كلها زرقاء كالسماء.
الأب يلتفت إلى الأخوين المراهقين الواقفين فيقولان بتبرم:
ـ سوداء!
يضيف أكبرهما: كل شيءٍ أسود!
الأم وكأنها تقطر بالحب من يديها وهي تضمهما على قلبها. يميل الرجل نحوها ويعانقها، ويهمس في أذنها فيحمر وجهها وتنظر إلى نافذة صغيرة قريبة من السقف، حيث السماء زرقاء صافية.
يخرج الرجل مليئاً بحبه، وحبوره، يشاهد سرب حمامٍ يطير، فيطلق فرحه نحوه. لم يمتعض وهو يتعدى المياه الآسنة في الزقاق المفضي إلى الشارع. جس جيبه وفرح بملمس النقود. وقال لنفسه: غداً المدرسة!
وصل إلى المكتبة الصغيرة، وقدم طلباته إلى البائع بوضوح، فطفق عاملان يجمعانها. وقف عند الباب، كان الشارع ضاجاً بالسيارات والأصوات، ارتعد جسمه لصوت دوي غامض. أطل صاحب المكتبة وهو يقول:
ـ لعله خير! و أطلق ضحكة مرّة، وهو يبرم شفتيه ويقول: لقد تعودنا!
حمل الرجل الأكياس، وأسرع وكأنه يركض. لم يلحظ أي طائر في الأعلى، وعند مدخل زقاقهم تساقطت من يديه أكياس الحقائب، الدفاتر، الأقلام، والألوان؛ ركض إلى كومة أحجار البيوت التي أغلقت الزقاق، مرّ من فوق جسده المتكوم ظل ذيل طائرة تبتعد في السماء الزرقاء.
** **
- جبير المليحان