يا لهُ مِنْ صباحٍ جعلَهُ اللهُ يشَعُّ مِنْ تفاصِيْلِك، ويا لأغانِيْنا التي سخِرَ مِنْها الأحبارُ... قالَتْ: تمهَّلْ فثمَّةَ بُقْعةٌ تحْتَ أزرارِ ثوبِكَ، فدعْنِيْ أفركْها. قُلْتُ: ما لونُها؟ سكتتْ لمْ تجِبْ، وهيَ تِمْسكُ بثوبي لم أشْعرْ بالشهْوةِ ولكِنْ أنوْثةٌ تتمدَّدُ في جمِيْعِ أجزاءِ الغُرْفة. نسيْتُ لونَ البُقْعة، ونسيتُ عُنفوانَ الفحُوْلةِ، وبعْدَ فراغِها منْ إزالةِ البُقعةِ. قالت: اكملْ ما بدأْتُه منْ شِعرٍ، عُذْرًا فالقصيْدةُ هيَ روحُ البُقْعةِ التي قُمْتِ بإزالتِها. ضحكِتْ وهيَ تصفُنيْ بالشاعرِ المجنُوْنِ، هي لم تكُنْ مُحاورةً رائعةً لذا تكْتفِيْ بالضحكِ الخفيف. أنا فقط منْ يتكلَّمُ، ومن يضحكُ، ومنْ يعبثُ بأشْيائها، وهيَ تضحكُ ضحِكاتٍ خفيفة، أكادُ أسمعُها. ضربتْنِيْ على أصابِعِيْ ضربةً بسيْطة، وردَّدتْ قائلةً: اعقلْ... اعقل... اعقل... نحنُ بُقعٌ كونية، على إثرِ لحظاتٍ غراميةٍ خُلِقْنا يا سيِّدَتِيْ. نحْنُ أبْناءُ سكْرةِ عِشْقٍ هيَّجَها العِطْرُ المُنْبعثُ منْ أنحاءِ أنوٍثةٍ عميْقةٍ جدًا. أخذتْ هاتفِيْ وقلَّبتْ في قائمةِ الأسماءِ، وجدتْ رقمَها بدُوْنِ اسم، تعجَّبتْ لمَ لا تضعُ اسمِيْ، أمْ تخْشى أنْ يعرفَه الأصدقاء. يا سيَّدتي: نحنُ مُبهمُون، فقولي ما اسمي في قائمةِ جوالك؟ قالتْ: سمَيْتُكَ الهِداية، والغِواية، فجنوْنُكَ يحملُ في ثناياهُ تناقضات. يا سيِّدتِيْ: يبْدُوْ أنَّ الأحلامَ عصيَّةٌ على مثْلِنا، ولسوْفَ نتحدَّثُ طويْلاً عنْ أوْصافِنا التي يخْتزِلُها الزمنُ في شُحُوْبٍ مؤْلمٍ. قالتِ الربابُ: نحْنُ نُعانِيْ؟ لإنَّنا فُصحاءُ تأْسرُنا لُغةٌ مكتُوْبةٌ على أوْراقِ المُراهقِيْن، ولئنَّ رسُوْماتّ الفتياتِ تُدْهشُنا، يجبُ علينا ابتِكارَ وسيْلةٍ جديْدةٍ للهُرُوْبِ مِنَ التعبيراتِ البائسةِ... بلْ يجبُ علينا مُمارسةَ السُخريةَ بشكلٍ دائمٍ على الذينَ يكْتبُوْنَ إحادِيْثِهمْ على مُفكِّراتٍ صغيرةٍ؟ لكي تبْقى ذِكرى. ئنَّها يا مُلْهمَتِيْ محاولاتٍ جادَّة لتسْجِيْلِ آلامِهمْ الغامِضة، فهلْ بوسْعِنا الْتماسَ عُذْرًا لهُم؟ وهلْ نحْنُ عِشْنا مأْساتَهم؟ لمْ تجِبْ... لكِنَّها حاولَتْ أنْ تُخْفيَ ضجرَها مِنْ هؤلاء العابِثِيْنَ بأوراقهمْ، وألْوانِهمْ الخشبيَّةِ. الربابُ لا تجِيْدُ سُوى السكُوْتِ، وإنْ تحدَّثتْ كانَ حدِيْثُها يدوْرُ حوْلَ تفاصِيْلَ صغِيْرة، كبُقْعةِ ثوْبِيْ التيزالتْها. هيَ بطبْعِها هادئةٌ لا تُحِبُّ الضجِيْجَ، والأصواتَ المُرْتفِعة، وشغبَ أطْفالِ الجيران، وأيضًا تكْرهُ صوْتَ مطرقةٍ يسْتخدمُها جارٌ لنا في عملِهِ البسِيْطِ. الربابُ تجِيْدُ قراءةَ ملامِحِيْ عندَما أبْدُوْ يائسًا وتعْلُوْ وجْهِيْ سيمياءُ الألمِ، هيَ تُدْركُ أنِّيْ أريْدُها أنْ تقوْدَني إلى المكتبةِ، لكِنَّها كعادتِها تحِبُّ سماعَ الأمرَ منِّيْ. لقدْ كانتْ تحاولُ إقْناعِيْ بعلْمِ الطاقةِ، والاسْتِشْعارَ عنْ بُعْدٍ، ولا أخفِيْكُمْ كُنْتُ أرْفضُ ذلِكَ، وإذا تمادِيْتُ في سُخْريَتِيْ تنْزعَجُ بهدوء... يا سيِّدتِيْ أنا على يقينٍ منْ تواصِلِ أرواحِنا وتلاحُمِها في ظِلِّ مشاكساتِنا التي لا تنْتهِيْ... الربابُ لا تحِبُّ استرْسالِيْ عنْدما أتحدَّثُ عنَ الآخرِيْن، لذا تتعمَّدُ التقلِيْلَ منْ قيمةِ قوْلِيْ. نحْنُ نشْتركُ في أموْرٍ مختلفةٍ، وإنْ لمْ نتَّفقْ يبدُوْ الأمْرُ ممتِعً بالنسْبةِ لي. لقدْ أسْهبْنا كثِيْرًا في الدِفاعِ عنْ آرائنا التي لمْ تُوْصلْنا إلى إنْجازٍ يساهمُ في خلْقِ ابتِسامةٍ لدينا. بعْدَ حِيْنٍ تساألَتْ لمَ يزْدادُ إعْجابُكَ بالكُتُبِ معَ ذلِكَ فأنْتَ تحْتاجُ إلى قارِئٍ، كأنَّها تقُوْلُ لمَ الإعجابُ بشِراءِ الكتبِ وأنْتَ أعمى.
** **
- راشد فهد القثامي