سيروا سيروا المسافة يوم وامرأة، سيروا سيروا وقبل المسير احلبوا نساءكم، وحجروا بناتكم فالمسافة محددة، سيروا سيروا وقبل أن تحزموا أمتعتكم احزموا الليف حول العذوق الخضراء، فالمسافة في قلب واحد وأنتم تحملونه، سيروا سيروا لازال الديك عند المغيب يجمع الدجاجات ويتمتع بصحة جيدة، والمسافة دنيا داخل دنيا، سيروا سيروا وأنا قد لبستُ حزام العفة منذ أن صرت أغتسل وحدي، وانفرد أبي بيدي أمي، والمسافة إذا انتهت تمت طهارة الرضيع.
كانت تتحدث إليهم، والشمس تضطهد جسدها الدقيق المتماسك، والريح الخفيفة تلصق ثوبها بالجزء الذي لا تراه من جسدها، متروك هذا الجزء للريح تشاغبه بثوبها الأسود، ولزواحف الصحراء تتغزل فيه، تنظر إليه ملياً، ثم تندس في جحورها، وتتزاوج، وهم ينظرون بفزع إلى عينيها المطلتين من برقعها الذي يشارك الشمس في اضطهادها.
الحقد يزيد عينيها جمالاً، والخوف يزيد عيونهم شيخوخة، وذكور الزواحف تضخ اللذة في أجساد إناثها.
أعطتهم الجزء الذي لا تراه من جسدها، وشعرها الذي يضطهد نساءهم، ثم كشفت عن وجهها برفع برقعها، ورميه على رأسها، فصارت الريح الخفيفة تشاغب الجزء الذي تراه من جسدها بثوبها الأسود، ودخلت الزواحف التي بقيت متحدية وطامعة في المزيد من الغزل جحورها، وتركت لها رمال الصحراء الصفراء التي تضطهد قدميها العاريتين، لترسم عليها آثار بنانات أصابع قدمي امرأة لم تحبل، ولم تتسع خطوتها.
قال حامل الماء، وخازن البارود، وحافظ الطريق: الشتاء شتاء والصيف صيف لا يتداخلان، والليل ليل والنهار نهار لا يتشابهان، والحزن حزن والفرح فرح لا يجتمعان، سيروا سيروا وانظروا عاقبة المسافة، سيروا سيروا وانظروا جور امرأة، سيروا سيروا فبيننا وبين الموسي يوم، سيروا سيروا والجمال الضالة دواب، وبيض النعام ماء، والعشب اليابس نار، سيروا سيروا والمرأة ناقصة نجسة، وجدوا بئراً تعوم في قاعها جُعلان ميتة، وعلى حوافها براز جاف لجوارح تحوم في السماء الأولى.
قال المنجم الضارب في الرمل بكفيه: لو أننا في الشتاء، فستون رعداً وستون برقاً وستمطر، ولكننا في الصيف لا رعد ولا برق، اشربوا مما أبقته لكم الطير، والستة شهور الماضية من الشتاء، وإلا هلكتم قبل أن تصلوا إلى الموسي.
وجدوا ناقة جرباء، محروق ردفها الأيمن، وضرعها محاط بالدمامل والقروح.
قال الحطاب: هذه الناقة لا تحمل أحدا ولا حطباً، إن تركتموها سقطت في البئر ومنعتكم الماء، اذبحوها واشووا لحمها، لعله يعينكم على مابقي من الطريق.
أكلوا وشربوا فامتلأت بطونهم، وقلت خطواتهم.
قال حامل الماء، وخازن البارود، وحافظ الطريق: الخطوات الضائعة تعوضونها إذا نمتم، ووقت نومكم أعوضه لكم، إذا سلكتم معي طريقاً أقصر من هذه الطريق السالكة.
ناموا ونامت أرجلهم، ولم تنم قلوبهم، استيقظوا والجوارح ترفرف على وجوههم، وتخمشها.
سلوا بنادقهم، وأفرغوا البارود في الجوارح، فتساقطت حولهم، سلكوا الطريق الوعرة، فعطشوا، وشربوا ماءهم، تعبوا، فقلت خطواتهم.
قال الشاعر: إن سرنا إلى الأمام هلكنا، وإن سرنا إلى الخلف نجونا، فما قطعناه أقل مما لم نقطعه، والمرأة تصدق الشاعر.
عادوا إليها واليوم قد انتهى، وجدوها مخنوقة ببرقعها، وحزام عفتها قد فُسخ، ولا تستطيع أن ترى الجزء الذي أمامها ولا الجزء الذي خلفها من جسدها، ورأوا الديك ينقر عيني الرضيع، والدجاجات تنقر معه، والفئران تصعد النخلات تقرض أحزمة الليف وتنزل، وذكور الزواحف انفصلت عن إناثها.
** **
- ناصر سالم الجاسم