أن تدخل سوق الثلوث بمفردك، هي المغامرة الاولى في حياتك، لم أكن غريبا عن السوق وضجيج الناس والروائح والأنفاس، كان عمي يمثل لي حماية من أي أَذًى محتمل، ابتسمت وكأن ثقة أمطرت علي فجأة.
تذكرت ذلك الشاب الذي يكبرني بسنين عدة، لا زلت أتذكر سنه المذهب ووسامته الطاغية، وقدرته على إدارة رؤوس البائعات اللواتي يهبطن سوق الثلوث، له مقدرة خاصة على مغازلتهن، وأظل أرقب ردود فعلهن وهو ينتقل من مكان الى آخر بمعطفه الأسود .
أرجأت فكرة المغامرة في سوق الثلوث الى الأسبوع المقبل يوم السوق كانت الحصص أربعة فقط .اذهب الى البيت ،تشاهدني أمي ثم أدخل السوق، نحيف الجسم ملامح وجهي تمنحني الوصول.
اعجبتني من البائعات وهن كثر بائعة العنب .. استمتع بسماع صوتها الدافئ، ورائحة الطيب والحناء الذي يملأ المكان بما يتيسر لدي من نقود ابتاع القليل من العنب، يكفي ان تصطدم أصابع كفي بيدها وادلف عالما آخر .
لم استبدل بائعتي بأخرى وهي لم تستبدل بضاعتها.
كيف عبرت خمسة أسابيع.. لا أعرف .. الا أن والدتي قالت في آخر أسبوع : رفيقتك هذه لاتبيع سوى العنب
2 / سوق الثلوث
حينما قاربت على مشارف ( أبها ) تناهى الى سمعي نصائح خالتي ( غامية ) وهي تحذرني من ( ثلابة ) سوق الثلوث الذين يمتلكون لغة ساحرة ،وحديثا عذبا يدخل القلب دون استئذان، وأردفت بإبتسامة حاولت ان تخفيها قائلة : اسأليني أنا، كتمت ضحكة، أدرت وجهي قائلة: بنتك بنت، لا تخشين عليها. هاهي أبها ببيوتها الفارهة وشوارعها الفسيحة تحضن كل الناس ، باغتني شعور بالوحشة، تذكرت قريتي وصويحباتي والحقول المليئة بالخير قيضا وشتاء
دخلت الى ضوضاء السوق الكبير ،
بسطت بضاعتي داخل العلبة الكبيرة المصنوعة من التنك ، مملوءة بفاكهة ( الفركس ) والخوخ والتين ، قليلا قليلا أصبحت جزءا من السوق وضوضائه، ونداءات البائعين..
كنت أخطط بعود صغير خربشات على التراب، وإذا بصوت ينتشلني من هذا الشرود: بنت ، بكم تنكة الفركس ، رفعت رأسي فإذا بشابين متقاربين في العمر يلبسان لبسا نظيفا، يبتسمان بشيء من شقاوة تكاد تقفز من أعينهم
قلت : بعشرة . لم يفاوضان في السعر، قال احدهم : توكلنا على الله .
عبرا السوق ، دخلنا أحد الأحياء ، تذكرت حديث خالتي غامية، وابتسمت عند باب مغلق وقفا وأخذ احدهما التنكة ودخل الى فناء المنزل ، مرتبكة بعض الشيء ، أرقب عودتهما بالنقود والتنكة.
مر زمن طويل والصمت يلف المكان الا بعض الأصوات البعيدة، سأمت ، قرعت الباب بلطف ، لم يجب احد ، عاودت ذلك مرة اخرى تساورني الخوف، صادف ان مر بي رجل كبير في السن... تجاوزني وحين سمع معاهدتي لقرع الباب، قال لي بصوت أجش لماذا تقرأين الباب ؟؟
قلت له ماحدث : علت وجههه ابتسامة وهز رأسه مررت وقال : يا بنتي العوض عند الله ، هذا مسجد وله باب من الشارع الخلفي.
سرت خلفه متجهة الى السوق وانا امسح الدمعة ، ثم دخلت في نوبة ضحك !!
** **
- محمد علي علوان