د. خيرية السقاف
أحسب أن الوقت الآن يلحُّ بأن يُلتَفت إلى آداب الأخلاق في كثير كثير من الناشئة،
بعد أن تكاثرت عليهم النماذج البشرية سلوكا، وفكرا، قولا، وفعلا من كلِّ فج، وعن أية وسيلة، بما فيها الطيوف ذواتهم مباشِرين، أو عن الأقنية العديدة كالأفلام، والألعاب، وبرامج الفكاهة، وتطبيقات برامج التواصل، بكل المستويات المختلفة التي يتعرضون لها في الثقافة، والقيم، والأفكار، والوعي، والمعرفة، بل أيضا الوجدان، تلك التي فيها المفرَّغ من القيم والأخلاق، والسطحي الذي لا يجدي ولا يُسمِن، والهش الذي لا يثبت ولا يرسخ، والسيئ المؤثر المتفاعل، يأخذون عن كل ذلك خليطا من ألفاظ، وأفكار، وحركات، و.. وبل حتى إشارات، وتلميحات، ثم يقلدون، ويتيهون!!..
في الوقت الذي أصبحت فيه الأجهزة المحمولة عديل الثانية، في الثانية من وقتهم,
مع شهقة النَّفَس لصدورهم، وزفرته عنها، وهم جالسون، وراجلون، ومتوسِّدون للنوم فُرشَهم..
بينما قلة منهم من يحدب عليه كبارُه الواعون، الحريصون، القارئون الآتي خشية أن يخرج عن المسار القويم لثمار أخلاق كل من تأسست فيه على بينة، ودُرب على الأخذ بها في مسالكه باختلافها..
لقد بتنا نشعر بأن هناك فجوة كبيرة، وبونا شاسعا بين الآباء، والأبناء في كل شيء، فهم غرباء، أو، أولئك الغرباء..
فغربة الجيل تتمادى وتضرب بأطنابها في كل مظاهرهم، ومخابرهم، الجميع يرى، ويشهد..
ولا ينجو الكبار من آثار هذه المعطيات التي تطوقهم من كل صوب، ولا من امتزاجهم بريحها، وهوائها، وتشبعهم بدسمها، ومائها، تشعبت لأفكارهم، ووجدانهم، بل قوضت كثيرا من قيمهم، وجميل عاداتهم، وأساس واجباتهم، بما فيها التغافل عن نداء الصلاة، والتأخير في أدائها، والغفلة عن الامتثال للدعاء بين يدي صلواتهم، والتفريط في الجلوس لقراءة القرآن، وهي أمور ملزمة لاكتمال حلقة السلوك وما فيه من تفاصيل للأخلاق، والتربية والقيم والعادات، والهوية، والانتماء، وتمام قِوام الفكر في الفرد الواحد ومن ثم في الجميع..
غربة أتمنى ألا تمتد، فترسخ، وألا تتمادى فتأخذ مع اليابس كل أخضر في باطن الإنسان منا، فلا نكاد نتعرف أنفسنا البتة، إذ حتى لساننا قد أزحنا عنه العربية، واستبدلنا فصيحها في محافلنا، ومجالسنا بأعجميٍ فرشَ، وتمطى، حتى الدارج فيها، لفظناه للدارج في سواها..
غربة في عقر الدار..
غرباء في ردهاتها..
فالله الله رحمة بالأجيال كي لا تتيه..