فهد بن جليد
النموذج السعودي الرائع في محاربة الفساد، بتشكيل لجنة عليا لمكافحته، استحق الإشادة والإعجاب من مختلف المراقبين والمحللين والمنصفين في العالم، نتيجة هذا التحرك الجاد بالعزم والحزم لاجتثاث هذا الداء ومواجهته بكل شفافية، حتى لو كانت شبهته تدور حول أسماء مسئولين أو رجال أعمال بارزين، وهو ما يزيد من الثقة في مستقبل الاقتصاد السعودي، ويبعث على الطمأنينة، وما موافقة مجلس الشورى الأخيرة على ملاءمة دراسة مقترحي مشروع نظام (حماية الشهود والمبلغين عن الفساد المالي والإداري)، ومشروع (نظام حماية الشهود والمبلغين والخبراء)، إلا خطوة أخرى تؤكد المضي قدماً في محاربة الفساد بكل شجاعة، لتزيد من جعل المجتمع شريكاً رئيساً وقوياً في هذا الأمر، بما يضمن لكل مبلغ وشاهد الحماية اللازمة.
الأمر امتد إلى المطالبة بإضافة مادة تتضمن (صدور عفو عام على المتورطين في قضايا فساد، بشرط أن يبلغ الشخص نفسه، وأن يقدم الوقائع كافة التي قام بها، على أن يتم ذلك في سرية تامة، حفاظاً على سلامة الشخص وسمعته وأسرته من التشويه) وأنَّ ذلك سيكون له عائد كبير على الوطن من حيث المبالغ المالية التي ستعود لخزانة الدولة -برأيي- أنَّ فتح الطريق أمام عودة بعض الفاسدين إلى رشدهم من تلقاء أنفسهم وقبل أن تطالهم يد العدالة، هو تجربة سابقة قامت بها الدولة -أعزها الله- في أكثر من جريمة غير مالية، حيث يتم مراعاة ذلك في تخفيف العقوبة، ويمكن هنا أن يطوَّر هذا المقترح ليصبح نواة لمبادرة تساهم في التطهر من الفساد وتحفظ حقوق الدولة والمجتمع.
كل فاسد سيسقط حتماً ما زيَّن له الشيطان سوء عمله واستمر في هذا الطريق، ولم يتب لله ويتراجع، هذه قاعدة حتمية في هذه الحياة، وفي الآخرة حساب وسؤال، ولعل وجود تشريعات وأنظمة رقابية صارمة وفعَّالة في بلادنا هي من مقدِرات الله -عزَّ وجلَّ- ومسبباته لكشف الفساد والفاسدين وردعهم، عندما وفق القيادة الرشيدة لسن هذه الأنظمة وفرضها وتطبيقها بكل جدية، المكاسب لا تعد ولا تحصى منذ (الرابع من نوفمبر) وكيف تحرَّر المجتمع السعودي ووسائل إعلامه من التردد أو الخجل من تناول موضوعات الفساد في المجالس والحوارات والأحاديث والأخبار.
المجتمع الذي يصبح فيه الحديث عن الفساد بهذه الشفافية والصراحة لكشفه وفضحه، هو مجتمع ناضج، واعٍ، متحضر، والسؤال الذي يستحق التأمّل لمعرفة حجم النقلة النوعية والفكرية التي نعيشها -ويجب أن يستوعبها الفاسد نفسه- هو أين كنَّا في محاربة الفساد قبل هذا التاريخ، وأين نحن اليوم؟
وعلى دروب الخير نلتقي.