د. زايد الحارثي
لقد كان مقالي السابق عبارة عن الرؤية التي أعتقد أنها مدخل مناسب يجب أن يكون ضمن الإطار والمسوغ الصحيح للنظام الجديد للجامعات، حيث رؤية 2030 تسعى وتهدف إلى مزيد من الاستقلالية للقطاعات المختلفة وتنويع مصادر الدخل ومزيد من الإنتاجية الذاتية الوطنية والجامعات التي تقدر الميزانيات التي تصرف عليها سنوياً نحو مائة مليار ريال وهو مبلغ كبير جداً وما ينتج في المقابل من الجامعات لا يكاد يغطي إلا شيئا قليلاً جداً مما يصرف عليها. فنتائج الأبحاث والمشروعات والمبتكرات والاستشارات لا تزال منخفضة جداً في الجامعات والحاجة ماسة إلى استثمار الطاقات والإمكانات بالجامعات لجعلها تعتمد على ذاتها، نفقاتها، بل وتقيم مشروعات وتسهم في تنمية البلد وتقديم خريجين مؤهلين ذوي مهارات وعمل فاعل.
لكي يحقق نظام الجامعات الجديد، حسب المسودة التي عرضت، أهدافه وأهداف رؤية 2030، فقد أصبح من الضروري أن يأخذ حقه من المناقشات واستدخال آراء كل الجهات ذات العلاقة، وعلى حسب علمي ومعرفتي فقد مر هذا النظام بخطوات ومراحل مهمة من النقاش والصياغة حتى تم عرضه بالصورة التي عرض بها، وآخر مرحلة هي الورشة التي أقامتها جامعة القصيم في الرياض قبل نحو شهر لمديري الجامعات برعاية معالي وزير التعليم الدكتور أحمد العيسى، وهذه خطوة جيدة، ولكنها غير كافية في نظري لأن المستفيدين والمشاركين في تنفيذ النظام الجديد يجب أن يكون لهم رأيهم في هذا المجال، بل يجب أن يتم عقد ورش وندوات تشرك هؤلاء في النظام الجديد، وقد يقول قائل: إن المسودة قد عرضتها الوزارة على موقعها للحصول على آراء المنسوبين المطلعين على موقع الوزارة وأنا أقول: إن هذا غير كافٍ اطلاقاً.
لأن المستفيدين والمشاركين الذين يعنيهم أمر النظام الجديد هم شرائح مختلفة ومتعددة من أفراد المجتمع وهم من يسمون بـStakeholders وكذلك Partners أساتذة جامعات، طلاب جامعات، أولياء أمور، قطاع خاص (شركات ومصانع وبنوك.. إلخ) وقطاع حكومي (وزارة التعليم، ديوان الخدمة وزارة العمل ووزارة الصحة وغيرها) ومسؤولين حكوميين في جهات مختلفة وأهم إمارات المناطق، فأين آراء هؤلاء بل لنقل إن آراء ممثلين لهذه الشرائح.
وبما أن هذا النظام هو نظام يراد له تحقيق أهداف سامية وعليا للتنمية ورؤية 2030 فأصبح من الضروري كذلك أن يسهم الكتاب وأصحاب الرأي في هذا النظام حتى يحقق فعلاً أهدافه، ومن هذا المنطلق فقد وجدت من الواجب الوطني والمهني أن أدلي برأي في هذا النظام ولعله يلقى ما يستحق من النظر والاطلاع.
وبالاطلاع على مسودة النظام الجديد للجامعات التي احتوت على ما يزيد عن ستين مادة شملت تعريف للجامعات وأهدافها وأنواعها وآليات عملها وكيفية توفير إيراداتها وكيفية الإنفاق وضوابط الإنفاق والعمل في الجامعات وسياسات القبول والتعيين والجهات الاشرافية وخلاف ذلك مما له علاقة بسير العمل في الجامعات.. وهي بلا شك لم تأت وليدة عمل فردي أو إشرافي سريع، بل أتت نتيجة جهود مضنية وجماعية لتصل للصورة التي جاءت بها.
ومع كل ذلك لا يزال هناك مجالات وأوجه نقص تحتاج إلى استدراك واستدخال فالكمال لله وحده، مثلاً لم يرد دور إمارات المناطق أو مجالس المناطق في مجال الجامعات أو مجالس الأمناء، فإنه لا يمكن إغفال دور وأهمية إمارات المناطق في إنجاح والمساعدة في عمل أي مؤسسة أو قطاع يعمل ضمن دائرتها والجامعات من باب أولى، ومجالس الأمناء أو ما يسمى Board of trustees or Board of regents كما تسمى في الجامعات الأمريكية تحوي صوت أو عدة أصوات في أعضائها يمثلون المنطقة أو ولاية التي تتبع لها الجمعة.
ولذلك فإني أرى أن يكون هناك عضو على الأقل في مجلس الأمناء في كل منطقة تقع فيها الجامعة فإن من شأن هذا أن يساعد في تيسير أي عقبات إدارية أو لوجستية لعمل الجامعة فضلاً عن كون هذا الصوت يمثل نوعاً من الرقابة والانضباط في عمل هذه المؤسسة.
وهنا يجب أن يكون ترشيح هذا العضو من إمارة المنطقة بالتنسيق مع وزارة التعليم، كما أن أفراد المجتمع الممثلين لأولياء الأمور وكذلك الطلاب يجب أن يكون لهم ممثلاً في مجلس الأمناء بالإضافة إلى القطاع الخاص (شركات، بنوك، مصانع.. الخ).
وأخيراً وللأهمية فإن كادر أعضاء هيئة التدريس والموظفين يجب أن يكون لهم صوت كذلك.
إن احتواء مجالس الأمناء في الجامعات لمثل هذه الفئات يعطيها قوة وانطلاقاً وانضباطاً ومسؤولية أكثر ما هو مما هو مقترح بل سيوفر الكثير من العمل للجهات الرقابية والمحاسبية الخارجية لعمل الجامعات فضلاً عن جعل الاستقلالية للجامعات وتوفير مناخ وروح المنافسة والإبداع والتطوير تكتسب اجراءً عملياً وهوية واضحة للانطلاق والإنتاج.
وينبغي أن تعطي صلاحيات موسعة لمجلس الأمناء من جهة الرقابة والمحاسبة والإسراف والاستشراف على خطط وميزانيات الجامعة ومتابعة تنفيذها وتطويرها كما ينبغي أن يكون من ضمن صلاحياتها تعيين أو ترشيح المدير أو إعفاؤه وفق آليات يضعها المجلس وهذا ما يتم في الجامعات في الدول المتقدمة مثل الولايات المتحدة الأمريكية.
ولقد شاهدنا وتابعنا في الجامعات المتطورة والحائزة على مكانة علمية عليه في الغرب أو الشرق مدى تأثير ونجاح سياسة مثل هذه المجالس وهذا ما نحتاج في المرحلة الحالية والقادمة لجامعاتنا لتتزامن مع استقلاليته التي ينادى بها.
فعلى سبيل المثال فقط لقد تابعت في فترة من الفترات إبان دراستي في الولايات المتحدة الأمريكية للدكتوراه كيف يتم اختيار رؤساء الجامعات من قبل مجالس الأمناء حيث يتم الإعلان عن الحاجة لرئيس جامعة وتشكل لجنة من قبل المجلس لذلك ثم يتقدم المئات من جميع أنحاء الولايات وفق الشروط المطروحة ويطلب من كل شخص توضيح رؤيته وخطته وسياسته وأفكاره للجامعة في حالة ترشحه لها ثم يتم الفرز الدقيق على مدى عدة أشهر إلى أن يصل العدد إلى حد معقول ومقبول وبعدها يبدأ فرز آخر أكثر دقة وبالتحقق من سير المتقدمين ومن زكاهم ثم تبدأ مرحلة ثالثة يتم اختصار العدد إلى حد معقول فتتم مقابلتهم بشكل مكثف وعلى عدة مراحل بل يتم مرافقة الأكثر قابلية للترشح إلى مؤتمرات أو ندوات أو سفرات أو لقاءات بشكل سري وحينئذ يتم تشكيل صورة متكاملة عن شخصية المرشح ليعرض اثنين أو ثلاثة على مجلس الأمناء ليختاروا منهم، وهنا نرى أن هذا الأسلوب هو الأنسب أن تتبعه في تعيينات مدرسي الجامعات حتى تضمن بإذن الله الشخصيات القيادية الأنسب والأنجح لقيادة جامعاتنا التي لا ينقصنا مقومات ولا تنقصها كوادر ولا ينقصها دعم من الدولة حفظها الله وهذا في اعتقادي ما سوف يحقق الطموحات المنسجمة مع رؤية 2030.
هذا فيما يتعلق برؤيتي في مجالس الأمناء وحين يحسن اختيار المديرين وفق مثل هذه الآليات فسوف يحسن اختيار القيادات الأخرى في الجامعة مثل الوكلاء والعمداء، وعليه فإن الطرح السابق من رؤيتي محدداً بمجالس الأمناء في النظام الجديد المقترح ولن يتاح الوقت أو المكان للحديث عن كل أو معظم بنود النظام الجديد فأنا أرى أنها قد أخذت حقها من الدرس والمناقشة ما يكفي لتقديمها للتنفيذ ولكني اخترت بعض البنود التي أرى أهميتها في سلم الأولويات للنظام الجديد لكي نقول: إنه جاء بجديد، هذا وبالله التوفيق.