عبدالعزيز السماري
من أكثر الأشياء تأثيراً على وجوه الحياة عندما تؤمن السلطة أنّ التغيير دقّت ساعته، وقد يعني ذلك أنّ المعادلة تمشي حسب مسارها الطبيعي، بمعنى أنّ الوضع الطبيعي للحصان أن يكون في مقدمة العربة، ويتم التحكم به وبمساراته، عندها تجري الأشياء على أُسس ثابتة، ولا تحييد عن تحقيق أهدافها..
التغيير سنّة كونية، ولعل «الشيء الوحيد الذي لا يتغير هو التغير نفسه»؛ وقد يحدث إما عبر تخطيط مسبق أو بصورة عفوية، وتحكمه القوى والأحوال والمتغيرات الطبيعية والتطورات السياسية والاقتصادية، وقد يكون التغيير سلبياً أو إيجابياً..
الخطوة الأهم في هذا المسار الطبيعي هو فن إدارة التغيير، ليس عبر أدوات التعسف والتسلط، ولكن بإرادة حديدية وبأساليب متحضرة، يكون هدفها تنظيم مسار التغيير واحتواءه، ثم تحويله إلى مسارات تخدم الصالح العام والوطن في نهاية الأمر،.. يصف ابن خلدون عملية التغيير في زمنه بأنها شديدة الخفاء، ولا تقع إلا بعد أحقاب متطاولة من الزمن، ولا يكاد يفطن لها إلا الآحاد من أهل الخليقة، ولو عاش فيلسوف التاريخ والاجتماع العربي في هذا الزمن لتغيرت آراؤه حول ديناميكية التغيير وسرعته..
أؤمن أنّ هناك مراحل في حياة الدولة إذا لم يتم تجديدها تكون نهايتها الترهل والعجز، والتغيير الإيجابي مرحلة تقوم على تجديد أدوات العمل وتعتمد على العقول الأكثر مواكبة للعصر، وذلك من أجل أن تكون الدولة والمجتمع على استعداد لتقبّل القيم السياسية والاجتماعية العصرية من أجل الانضمام لسباق الماراثون العالمي.
أؤمن أنّ الإصلاح فلسفة شاملة، وليست فقط جزئية، وهدفها تعديل مسار الأمة أو الوطن إلى التوجه في مسار العصر الحديث، والاعتقاد أنه لا خيار إلا بتغيير الأنماط القديمة ثم التقدم في اتجاه المستقبل، ولهذا لابد أن تكون ذهنية التغيير حاضرة في القيادات الجديدة، وأن تكون واعية بمتطلبات المرحلة في مختلف قضايا العصر ممثلة في محاربة الفساد وحقوق الإنسان وإصلاح العقول.
أؤمن أنّ سيادة القانون بمثابة حجر الزاوية في البناء الكبير، ففي ثباته استقرار البناء على الأرض الصلبة، وعندما يكون للسلطة كلمتها وحيادتها وسيادتها تختفي مظاهر الفساد الإداري والمالي، وعندها لا يكون للخطابات المزيفة للوعي دور في الحراك الاجتماعي والسياسي.
أؤمن أنّ القانون هو أساس الدولة، وهو التعبير الحقيقي عن إرادة الفرد وحرياته ومسؤولياته، وذلك بوصفه الوحدة الأساسية للدولة وسيادتها، فالقانون هو القلب النابض في الوطن، بل هو الإرادة الحقيقية للفرد ليكون خاضعاً له، وتعبر عنه، وتحقق له اكبر قدر من الاستقلالية والحماية من تعديات الآخرين.
أؤمن أنّ العدالة مفهوم شامل وتتحقق من خلال المساواة بين مختلف فئات المجتمع تحت مظلة القانون، ومن شروطها أن تحفظ الدولة كرامة الإنسان وحقوقه، وأن ينال فرصته في نيْل الحقوق المشتركة مثل التعليم والعناية الصحية، على أن يلتزم بقوانين الدولة، ولا يخالف أو يصادر حقوق الآخرين.
خلاصة الأمر أنّ التغيير في هذا الزمن أضحى ملموساً، ولا يحتاج إلى عقول مختلفة لتدرك خفاياه وحراكه، وقد أصبحت بالفعل دورة التغيير أقصر زمنياً، وأكثر شمولية، ويساعدها في ذلك تسارع معدلات التغيير في الأفكار والمعرفة والعلم والتقنية، ووصول زمن تبادل الأفكار إلى وقت قياسي، لكن الأهم من ذلك أنّ الإنسان في هذا العصر أصبح أكثر تطوراً وإدراكاً وذكاءً من إنسان القرون الوسطى..