د. فوزية البكر
معظم المواد التي درسناها في كليات المعلمين وكليات التربية عند إعدادنا أدوارنا بوصفنا علمين ركزت على تهيئتنا المهنية، أي: كيف ندرس؟ وكيف نضع وندير الاختبارات؟ وكيف نصحح الواجبات؟ وكيف ندير الفصول الدراسية.. إلخ من المهام اليومية التي يقوم بها كل معلم. لكن مقابل ذلك تم إهمال أسئلة كبيرة تتعلق بقناعتنا الداخلية ومفاهيمنا وافتراضاتنا التاريخية حول ما نفعله، رغم تأثيرها الجوهري في نوعية التعلم والتعليم المقدم من المعلم. فمثلاً: لم يعلمنا أحد كيف نفكِّر فيما يعنيه أن نكون معلمين؟ ماذا يعني أن تقول أنا معلم، أنا مدرس؟ ما هي القيم والمفاهيم والأشياء التي أقدرها وأعتبرها جزءًا من منظومة تفكيري الخاصة؟ وكيف تنعكس على تدريسي وعلى المدرسة التي أعمل فيها اليوم؟ وعلى ما أعلمه لطلابي؟
ما الغاية من المدرسة؟ من التعلُّم؟ ما هي التوقعات الاجتماعية بالنسبة للمعلم وللطالب والمؤسسة التربوية؟ أي كيف ينظر المجتمع إلى المؤسسة التربوية وطرق قيامها بوظائفها؟ ما الدور الذي يمكن لي أن ألعبه في تحديد موقف المجتمع من المعلم والتعليم في مجتمعي؟ وفي الإجابة عن هذه الأسئلة ستتحدد قدرتنا على ماذا نعلم؟ وكيف نعلنه؟ وكيف نبرر ما نتخذه من قرارات يومية داخل مؤسساتنا التعليمية؟
لذا، وفي محاولة للإجابة عن هذه الأسئلة، لا بد من اختبار عدد من العوامل الاجتماعية والتاريخية والعالمية والنفسية التي تحيط بالمعلم نفسه، منها على سبيل المثال لا الحصر:
أولاً: العلاقة بين المدرسة والمجتمع الذي توجد فيه. أولاً. أي محاولة فهم القوى التاريخية كافة التي أثرت في إنشاء نظام التعليم في المملكة ثم في العالم: أهم الفلسفات التي قامت عليها التربية خلال تاريخها، وشكلت تفسيراتنا للمعرفة والمنطق والتعلم. مواردنا المالية العامة، ومؤثراتنا التاريخية منذ ظهور التعليم في المملكة أولاً، ثم في دول العالم.
ثانيًا: البناء الاجتماعي الذي تقوم فيه المدرسة، وكيف تؤثر القوى خارج المؤسسة التربوية، سواء كانت سياسية أو دينية أو اقتصادية. هذا يعني دراسة طبيعة النظام الاجتماعي، وقدرته على احتواء الجميع، وبالكفاءة والعدالة نفسيهما في توزيع الموارد المادية والبشرية، بغض النظر عن المنطقة أو الخلفية الاجتماعية أو اللون أو الطائفة.
اجتماعيًّا يجب أن يحاول المعلم فهم العلاقة القريبة بين ما يحدث في المدرسة وما يحدث في المجتمع الذي توجد فيه. هناك الكثير من المعوقات التي قد تعيق التعليم عن أن يكون إبداعيًّا وخلاقًا وتعليميًّا بدرجة تفتح أبواب المستقبل لطلابه. وهذه تتمثل في الكثير من الظواهر الاجتماعية حولنا، مثل عدم العدالة في توزيع الموارد بين مدارس المناطق، الفقر، الإرهاب، التفاوت الطبقي، موقف المجتمع من المرأة.. وغيرها كثير، وكيف ستلعب كل هذه المؤثرات في التأثير على عملية التعليم، وما هو دور المعلمين والمتعلمين في مواجهة ذلك على أمل إيجاد مجتمع أكثر أمنًا وعدالة وجدية.
ثالثًا: رؤى حقيقية، تعكس الاتجاهات العالمية بالنسبة لأكثر القضايا أهمية للتعليم في عالم اليوم، مثل: العولمة، ثورة التكنولوجيا والمعلومات، دور المؤسسات التربوية العالمية، مثل اليونسكو ومؤسسات الاعتماد الأكاديمي ومنظمات الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم.. إلخ.
رابعًا: رؤية المعلم نفسه لعملية التعليم والتعلم منذ كان تلميذًا في مدرسة حتى أصبح أحد أعضائها معلمًا أو قائدًا؛ وذلك في محاولة فهم أكثر تعمقًا وتفكرًا (ذاتيًّا) للبناء الاجتماعي المحيط بالمؤسسة التربوية، ومراجعة الفرضيات (التقليدية التي زرعت فينا منذ أن كنا طلابًا صغارًا)، أي الافتراضات والممارسات التقليدية التي قامت عليها مدارسنا منذ إنشائها، واتجاهات من يعملون فيها من معلمين وإداريين.. وكلها عوامل غلفت رؤيتنا نحن المعلمين لاحقًا لدور المعلم ودور المدرسة في مجتمعنا، وهذا سيساعدنا في مراجعة مواقفنا النفسية والعقلية، وقيمنا الخاصة تجاه كل ما يحيط بنا في المؤسسة التربوية التي نعمل بها من أجل خلق معلم فاعل يتذكره طلابه علمًا وخلقًا وتعاطفًا ووطنية.. هل فعلاً نجحنا في خلق هذا المعلم النادر؟