م.عبدالمحسن بن عبدالله الماضي
1 - في الأدبيات الغربية الهزلية يقولون إن الأنظمة والقوانين وُضِعَت حتى تُكْسر أو تُخالَف.. وفيها أيضاً أن البريء مذنب لكن لم يُقْبَض عليه بعد.. ويقولون أيضاً إنك إن التزمت بكل الأنظمة فسوف تفقد كل المتعة.. كما يقولون - وهذا جد لا هزل - إن الأنظمة غير المهمة تُضْعف الأنظمة المهمة.
2 - لا يختلف التعريف الشرعي للفساد عن التعريف اللغوي؛ فهو نقيض الصلاح.. وإذا فسد الشيء لم يعد صالحاً.. ففساد العقد بطلانه.. وفساد الفهم الجهل.. وفساد العقل الانحراف.. وفساد الأخلاق الانحلال.. وفساد الصحة المرض.. وفساد الخبر الكذب.. وفساد البيئة التلوث.. وفساد الإدارة الرشوة.. وفساد العدل الظلم.
3 - وأضاف الأمريكان معنى آخر للفساد، أسموه «الفساد الخلاّق».. ويقصدون من ذلك كيف يمكن تحويل الفساد إلى حالة نفع عام؟!.. وإجابتهم عن ذلك أن الشعوب المتخلفة فيها الفساد سيف بتار ماحق، لا يُبْقي ولا يذر.. أي أن الفساد ينهي الحالة التي يقع عليها، ويقضي عليها تماماً.. لكن الفساد الخلاق - حسب الرأي الأمريكي - هو الذي يدرك أن من مصلحته أن ينمو هذا المجتمع الذي ينشط فيه.. وبذلك تنمو مكاسب ذلك الفاسد بدلاً من محقها.
4 - وللفساد أسباب عديدة.. وغالباً ما يكون فساد الشيء من ذاته.. ولعل العفن في التفاحة والسرطان في جسم الإنسان خير مثال على فساد الشيء من ذاته.. لكن هناك حالات سلوكية وقيمية ونظامية فسدت بسبب عوامل ومؤثرات خارجية.. فالرشوة - على سبيل المثل - لون من الفساد، يظهر في المجتمعات التي تعاني من التدهور الاقتصادي وغلاء المعيشة.. وبالتالي ينظر إليها قطاع عريض من أصحاب الدخول المتدنية على أنها مصدر ثانٍ للدخل.. فتصبح الرشوة بذلك خارج منظومة القيم الأخلاقية لدى تلك المجتمعات.. بل ربما تصبح من وجهة نظر البعض حقاً مكتسباً ومصدراً لكسب العيش والارتزاق.
5 - وهناك حالات أخرى سبب فسادها أنها فاسدة هيكلياً.. نتيجة الجهل.. أو عدم تناسب السلطة مع المسؤولية.. أو ضعف الرقابة أو المركزية.. أو لأن رأس الهرم في تلك الإدارة فاسد، وأولويته لمصالحه فقط.. فهذا النموذج سوف يجد الطرق والأساليب لإغواء كل من حوله، وإفساد كامل بيئة العمل.
6 - لكن الحالة الغالبة في بلدان العالم النامي - ونحن منهم - هي فساد ناتج عن بيئة العمل.. فبعض الأنظمة من حيث نعي أو لا نعي تجبر الفرد على الدخول في عالم الرشوة.. وخصوصاً إذا وصلت الحال والحاجة إلى مرحلة حرجة.. أو وجدت أنها أسهل من الانتظار (والشحططة) بين الدوائر الحكومية.. مما يجعل الممانعة في دفع الرشوة مثالية ساذجة ومعيقة.