م. خالد إبراهيم الحجي
إن العلاقة وثيقة جداً بين انتشار الفساد المالي وبين الإنتاجية والتي يتم قياسها على أساس»القيمة المالية لإنتاج العامل الواحد خلال ساعة عمل واحدة». كما أن العلاقة وثيقة جداً بين الإنتاجية وبين نمو الاقتصاد الوطني؛ بمعنى أن الإنتاجية حلقة مشتركة بين الفساد المالي والاقتصاد الوطني ضمن سلسلة طويلة من الحلقات المتصلة مع بعضها البعض، وتمثل متطلبات الحياة الأساسية التي يمكن أن تصل إلى درجة الرفاهية وترتبط ارتباطاً وثيقاً بمعدلات المستوى المعيشي للمواطنين، ودخلهم الاقتصادي الذي يرتبط بإنتاجية العامل الواحد في الساعة الواحدة المرتبطة ببرامج التنمية الاقتصادية في الدولة.
والفساد المالي ضررٌ كبيرٌ وعبءٌ ثقيلٌ على الاقتصادات الوطنية الناشئة وهوً أحد الأسباب الرئيسية لتدهور البنية التحتية، وضعف الإنتاج، وعدم إتقان الأعمال، وسوء الخدمات العامة فيها. والانتشار الواسع والتغلغل الشديد للفساد المالي في الاقتصادات الناشئة يحرف القيمة الواقعية للناتج المحلي الذي يعتبر المؤشر الرئيسي لقياس حقيقة الاقتصاد الوطني؛ لأن الناتج المحلي عبارة عن مقارنة مئوية بين مجموع القيم المالية للخدمات والبضائع الوطنية المنتجة خلال سنة واحدة وبين محموع القيم المالية للخدمات والبضائع الوطنية المنتجة في السنة السابقة، فمثلاً: عندما نقول أن الناتج المحلي (2) في المئة لهذا العام، فهذا يعني أن حجم الاقتصاد نما وزاد بنسبة (2) في المئة عن العام السابق.. ومن خلال قراءة الواقع الدولي وتحليله نجد أن الدول الأدنى إنتاجية في العالم ينتشر الفساد المالي فيها ويستشري ويتم غض النظر عنه أو تجاهله أو التستر عليه، ويُضعِف مؤسساتها وشركاتها ويسوقها إلى عتبة الإفلاس. بينما الدول الصناعية الكبرى الأكثر إنتاجبة في العالم تكشف الفساد بسرعة مبكرة جداً، وتغلق أبوابه وتقضي على بذوره وتحاربه بشدة.. والعلاقة بين وجود الفساد المالي في الدولة وعدم محاربته وبين الإنتاجية التي تلبي متطلبات الحياة الأساسية في المجتمع، وتحقق الرفاهية له، علاقة عكسية؛ فكلما ارتفعت درجة الفساد المالي في الدولة ضعف معدل الإنتاجية، وقل مستوى دخل الفرد وزاد سعيه وكدحه لتلبية متطلبات الحياة الأساسية، وتحقيق الرفاهية التي يطمح إليها معظم الناس. وانتشار سرطان الفساد المالي في الاقتصادات الناشئة يمنعها من العمل بشكل صحيح لأنه يشكل مناخاً معادياً لقوانين الاقتصاد الطبيعية التي تعمل بحرية ونزاهة، ويشجع على دخول الإكراميات والعمولات والرشاوي إلى بيئة العمل الحكومي والقطاع العام، ويضخم البيروقراطيات ويعيق إنجاز الأعمال، ويحوِّل توجهات العاملين فيها من الاهتمام بتقديم الخدمات للجمهور إلى الاهتمام بالكسب غير المشروع؛ ويصبح الفساد المالي سوس ينخر بشدة في مؤسسات الدول، ومن علامات شدة الفساد في الاقتصادات الناشئة المبالغة الفاحشة في أسعار التوريدات والمشروعات والخدمات الحكومية لتغطية تكاليف العمولات، وكثرة نهب الأموال بتعاون الفاسدين بين بعضهم البعض؛ فتتكون مافيا الفساد الخطيرة التي تنهب أموال الوطن، وتتحايل على المجتمعات والأنظموالقوانين والتهرب من العدالة لتحقيق الكسب غير المشروع؛ فيتآكل الناتج المحلي مع مرور الوقت.. وسمعة الفساد بجميع صوره وأشكاله تنتقل عبر الآفاق بسرعة فائقة فتُرعب وتُثني الاستثمارات المحلية، وتطرد الاستثمارات الأجنبية، وتقف عائقاً في طريق توظيف الأموال بطرق صحيحة.. لذلك يجب سرعة التحرك للقضاء على الفساد المالي في أسرع وقت للوصول إلى معدل الإنتاجية المرتفع الذي يزيد التنمية الاقتصادية.. واتقان تنفيذ الأعمال جزء لا يتجزء من تحسين معدلات الانتاجية.
الخلاصة:
إن محاربة الفساد واجب وطني لأنه يستحلب الإنتاجية ويدمر الاقتصاد الوطني.