عبدالوهاب الفايز
استمرارا للمقالتين السابقتين حول أهمية (الاستثمار في هيبة الدولة) عبر مشروع وطني مستدام يستثمر قرار خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز الذي أصدره لتعزيز النزاهة ومحاربة الفساد.. فالذي يخدم مجتمعنا ويكرس الاستقرار ويجعلنا نحصن مجتمعنا يتحقق عبر بناء مشروع وطني متكامل يعالج كل الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية والنظامية بحيث تكون النزاهة ومحاربة الفساد أسلوب حياة وممارسة مستدامة يتعلمها الصغار من أفعال وأقوال الكبار.
العزم والحزم لمواجهة الفساد مشروع ضروري لنحفظ كياننا، وكما أشار سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في حواره مع تومس فريدمان في (النيويورك تايمز)، السكوت على الفساد مخالفة شرعية، لا يليق ببلدنا وبمكانتها، ولا بسمعتنا ولا بتاريخ بلادنا ويهدد مستقبلنا، لذا كان ضروريا مواجهته بكل حزم بعدما تأكد حجم الضرر المباشر على موارد الدولة ومصالح الناس، والحوار الذي اتسم بالمصارحة جدد ثقة الناس ودعمها للمشروع الذي يقوده الملك سلمان وسمو ولي العهد لتثبيت دعائم مؤسسة الحكم.
وكما قلنا الأسبوع الماضي، المشروع هو استثمار ضروري لتكريس هيبة الدوله وهيبة الأنظمة الحكومية، وهذا المبدأ له أثره الكبير الواسع الممتد على كفاة تطبيق الأنظمة وتوفير النفقات الحكومية المهدرة في مشاريع البناء والتشغيل والصيانة.
بالإضافة إلى الأمور الضرورية التي طرحناها الأسبوع الماضي، نطرح الْيَوْمَ أمورا حيوية أخرى لمحاربة الفساد وتعزيز النزاهة، والهدف هو: (تجفيف المنابع وإيجاد بيئة صحية لممارسة النزاهة على المدى البعيد).
هنا نشير إلى ضرورة إطلاق ورش عمل ودورات تدريبية إلزامية لجميع موظفي القطاع العام، مخصصة لشرح (مدونة قواعد السلوك الوظيفي وأخلاقيات الوظيفة العامة)، وهي مدونة تبرز المعايير والأخلاق والقيم التي يجب أن يلتزم بها موظفو القطاع العام، وهي بمثابة المرشد والقائد الأخلاقي الذي يحصن الموظف ويساعده للابتعاد عن المحرمات والمشتبهات من الأمور.
إعداد المدونة وإرسالها للموظفين في الوزارات والهيئات الحكومية لكي تُحفظ في الأدراج أمر غير مقبول، ولا يخدم ضرورات المرحلة. بالإضافة إلى مدونة السلوك العامة، الموظف عليه أن يطلع بشكل كامل ويستوعب الأنظمة والتعليمات في القطاع الذي يعمل به، وهذا يشمل الموظفين جميعا في القطاع. وهنا يأتي دور معهد الإدارة العامة لإعداد حقائب تدريبية للقطاع العام توصل مدونة السلوك الوظيفي بطريقة يستطيع الموظف استيعابها وفهمها جيدا، وتنفيذ الحقيبة يفترض أن تتولاه الأجهزة الحكومية ذاتها عبر إداراتها القانونية والممثل المالي لوزارة المالية، مدعومة من الجهات الرقابية مثل ديوان المراقبة العامة، وهيئة الرقابة والتحقيق، والنائب العام، وهيئة مكافحة الفساد (نزاهة)، وغيرها من الأجهزة التشريعية والرقابية العامة أو الأهلية.
أيضاً يخدم غاياتنا الوطنية لمحاربه الفساد ضرورة تطوير آليات وحوافز الإبلاغ عن الاشتباه في الفساد، أو اكتشاف ثغرات وخلل في الأنظمة المطبقة، فتأسيس آليات عملية وقريبة من الموظف وتوفر له الأمان وعوامل الثقة في حال تقديم البلاغات، هذا التوجه يحفز على بناء النزعة الأخلاقية ويحولها إلى سلوك يمارسه ويحرص عليه الموظف، وربما يخدم تحقيق هذا الهدف إنشاء إدارة مستقلة في كل جهاز حكومي تكون مربوطة في ديوان المراقبة العامة أو هيئة الرقابة والتحقيق.
كذلك مما يخدم توجهنا لمحاربة الفساد تبني الوزارات مبادرات لإنشاء جوائز أو قوائم لتكريم الموظفين المتميزين في مجال تطبيقات الحوكمة، وتطوير آليات العمل التي تؤدي إلى توفير النفقات ورفع الجودة، وهذا المسار يطور المعرفة والمهاره لدى الموظفين، ويحول مكافحة الفساد وتعزيز النزاهة إلى ممارسة تلقائية، وهذا أحد عوامل بناء البيئة الحاضنة للنزاهة والشفافية.
ثمة إجراء نتطلع إلى تنفيذه وهو العمل على إلغاء ممارسات التعقيب الفردي لدى الأجهزة الحكومية، فهذا أحد الأمور التي تساعد على محاربة الفساد، والأجهزة التي يكثر فيها احتياج الناس إلى المعقبين هي التي تضع سمعتها ليست بعيدة عن شبهة الفساد، فقد أصبح حالة شائعة أن تجد المعاملات التي تحتاج أشهر طويلة للإنجاز ينهيها المعقبون في بضعة أيّام!