د. خيرية السقاف
من البدْهي أن يكون عملك شاهداً عليك, وأن تكون في بيئة عملك موسوماً بسلوكك..
وأن تغدو مكاسبك حصيلة فعلك, وسمعتك نتيجة تصرفك..
فعملك خلاصة معرفتك, ووعيك, ومبادئك, وقيمك, وطريقتك, ومنهجك, وسلوكك الظاهر, والخفي..
وهو في النهاية الماثل الشاهد..
إن ظهر يشمخ بك, أو يحرجك..
مهما تمادى بك الزمن في عملك, وخفيت نتائجه, سوف تظهر للعيان, وتتبدى في الزمان..
والشواهد قريبة تُسمع, وتُرى, وبعيدة يتعقبها الباحث, وتتضمنها الأسفار, تشهد عليها الأزمان والآثار..
كم من الذين يعملون وليس لهم ذكر, ولا أثر..
وكم هم الذين تتغنى بذكر أفعالهم القوافل, والركبان؟!..
في الزمن اليسيرة فيه المنجزات, الشحيحة فيه المعطيات, المتواضعة فيه الأفكار, كانت للإنسان في عمله قيمٌ, ومبادئ, تشكلت في أدائه, ويقينه, فكونت منظومة أخلاقه, ومن ثم استقامة سلوكه في العمل, بينما في الزمن الذي تنوّعت فيه, وتكاثرت, وتعددت المنجزات, وتدفقت المعطيات, وتهاطلت الأفكار, وعج بأنماط الأعمال, ومختلف المعارف, ثَلُمت قيمه, وتشظَّت مبادئه, وتفرَّقت منظومة أخلاقه !!..
يخالط الغرور الكثير ممن يعملون وهم يتوسمون في أنفسهم تفوقاً, أو تميزاً بسلطة, أو بمعرفة, أو بجاه, فيضعف منهم من يطمح بالقفز على من سواه, وإن وخز أكتافهم, أو أسقط ظهورهم, أو سلب جهدهم, أو تصدر منصات عرقهم..
وحين تكون في الإنسان ذاتُه هي مصدر قيمه, ومبادئه, وتكون منظومة سلوكه, هي الشاهد على مكنون هذا النبع في أدائه وهو يعمل, فإنه لا يحتاج إلى رقيب غير نفسه, ولا قيُّوم عليها سواه, فكيف إن تمكنت هذه النفس من يقين إيمانها بأن هناك من يراها, ويسمعها, تستعين به على ثباتها؟, وتخشى منه على انفلاتها..؟
هذا النمط من الناس في أعمالهم, بل في كل حياتهم هم الذين يكون منهم شدُّ الأزر للقانون, باتباع نظامه, وحدوده وإن كانت صارمة, لأنهم الذين يقفون من الحق بعيداً عمَّا ليس حقاً, ومن الحرية بعيداً عمَّا يتجاوزها!..
ترى لو ساءل كل فرد في إنسان نفسَه من أي الناس في عملي أكون؟..
كيف أفكر, وأسلك, ما الذي أقدم, وأنجز, إلى أين أتمادى, ومتى أتوقف, ما الحدود التي لي, والتي متاحة لأتخطاها, وتلك التي لغيري فلا أتجاوزها؟!..
عملي, أهو لوجه الإنجاز, سلوكي أهو لرغبة الإعجاز؟!, أدائي أهو لذاتي, أو هو خالص لوجه المسؤولية؟!..
علاقاتي في العمل أهي تعزّز لنتائج مرتجاة, أو لمقاصد ذاتية متوخاة؟!..
ذلك لأن عملك هو الشاهد عليك, الموسوم بسلوكك فيه, المنجز بحصيلة أدائك, فيه سمعتك هي أنت..
فكيف المبدأ فيك؟, وما القيم عندك؟..
كل ذلك انعكاس أخلاقك فيه, ومن ثم أنت في أي مكان, وعند أي أداء, وحيث يكون الصمت والكلام, والنزول, والارتحال!!.