عبده الأسمري
سأسرد اليوم مجموعة من الأمور التي تحاصر عقلي، بعضها محفوظ في الذاكرة، وبعضها أتجهز لحفظه، وأخرى أتعامل معها بمنطلق حدس وتوقع وتوجس في آن واحد.
* أمطار جدة كشفت الوجه الأسود للفساد، والجسد المريض للعروس من جراء نهب الثروات. وأتوقع أن تشهد الأيام القادمة قوائم جديدة من الفاسدين. وأتمنى أن تُسلم تنمية جدة لغيورين ولنزهاء ولشرفاء، يحمون العروس من قطّاع طرق التنمية.
* ميادين المدن وبواباتها لدينا أشبه بلوحة رسمها «مبتدئون». الدوارات قديمة، والميادين تثير الخجل، والمجسمات تدعو للبؤس.. الجَمال غائب، والاحتراف معدوم، والتاريخ مختصر، والإبداع متغيّب، ومبالغ الإنشاء توازي مشاريع كبرى.. ملف تزيين وتجميل المدن يحمل علامات الاستغراب واستعلامات الدهشة، وفي داخله «فساد ينتظر الاستنطاق».
* ترتفع أعداد مرضى السرطان سنويًّا، والأورام تتربص بالجميع دون استثناء في ظل ثقافة بليدة، وأعشاب بديلة، زادت المرض، ورفعت الأرقام.. كل ذلك ولا يوجد لدينا مستشفى متخصص للسرطان بينما في ملفات الصحة مليارات أُنفقت على مراكز الرعاية الصحية الأولية، وبعضها متوقف، ومستشفيات حكومية تُدار جزئيًّا، إما لنقص الأطباء أو انعدام المعدات.. فأين الخلل؟ وهل يظل مرضى الأورام يسدون ممرات المستشفيات بحثًا عن كرسي «مستحيل»، أو آخر «بعد الوفاة»؟!!
* نحن أكثر دولة تصرف على التعليم العالي.. وباتت حتى المحافظات تمتلك جامعات أو فروع مباني أشبه بالمدن، وملايين تُصرف على الصيانة والعقود وجلب أرتال من الأساتذة الأجانب، بينما خريجو وخريجات ماجستير ودكتوراه تحت رحمة «جدارة»، وخلف طابور الواسطة لنَيل وظيفة تقارن خريج ثانوي مدعومًا.. في ظل ذلك والنتائج «أجيال عاطلة»، و»مخرجات باطلة»، ولا نزال نشد الرحال للظفر بكرسي ماجستير أو استجداء دكتوراه في ماليزيا أو أستراليا.. لذا أتساءل: كيف تم الصرف على المباني مع تجاهل المنتج، والإغداق على المنشآت وإغفال الجدوى؟.. ملفات الجامعات تحمل براهين ودلائل وسوءات وتبديد أموال أمام المكشوف..
* ذوو وذوات الاحتياجات الخاصة لا يزالون يلهثون وراء سراب وعود التنمية الاجتماعية وفروعها.. منهم مَن يتعامل مع مطلبه كالتسول على بوابات الجهات المسؤولة عنه، وآخرون وأخريات يكتمون حزنهم فوق ظروفهم الصحية.. فتنظيم مكافآت التأهيل الشامل ومخصصات الضمان الاجتماعي ومواعيد المستشفيات وبرامج التعليم الخاصة ومخصصات العلاج التأهيلي كلها «مواعيد وتسويفات»، بينما لو نظرنا للمخصصات وحال هذه الفئة لوجدنا البون شاسع والتباين بلا حدود.. هذه الملفات تخص فئات مكلومة متعبة يائسة، تنتظر تحركًا لضرب معاول التقصير في التعامل والخدمة والواجب، وكذلك في المال المهدر وقنوات صرفه.
* في الرياضة ثمة تلاعب خفي، واستغلال وطغيان للبذخ؛ فملايين اللاعبين وقضاياهم التي تملأ الإعلام أساءت لوجه الرياضة، وباتت الأندية جزءًا من منظومة السوء فيما يخص الإسراف؛ لذا يجب سَن قوانين تكافح هذا السوء.
* الفساد يختبئ وراء عوازل بشرية، طالما استظلت بظلال «الواسطة»، وتخفت برداء السكوت، وتوارت وراء جدران الإفلات من العقاب؛ لذا فهو موجود طالما كان هنالك أموال، وموجود حيثما كانت هنالك أنفس تتشبث بالطمع، وتتعالى بالجشع.. وسيظل ما دام هنالك من يسكت عنه.. لذا فإن أهم عضو في مكافحة الفساد هو «المواطن» الذي يجب أن يبني اللبنات التي تحمي مجتمعنا من الفساد، وحتى نرى الإدانات والأسماء والمحاسبة القادمة كما شاهدنا جزءًا منها فإننا في «عمل تكاملي» حتى نرصف جسور «الأمانة»، ونبني قيم «النزاهة» يدًا بيد مع ملكنا وولي عهده ووطننا في حاضرنا ومستقبلنا.