د. حسن بن فهد الهويمل
لم تَعُد أشياءُ أمتنا محتملة، لأنّ كلَّ شيءٍ مأزوم، وكلَّ فكر مُحْتَقِنٌ، وكلَّ خَليٍّ، أو شَجِيٍّ يردد:
«أَكَادُ أشك في نَفْسِي لأني
أَكَادُ أَشُكُّ فيك، وأنت مني»
خطابات التشنُّج، والتشرذم ترفع أصواتها فوق صوت الحكمة، والأناة، والتأمُّل.
شيءٌ [ما] يغيب عن مشاهدنا، هو سر تأزمها، وتشرذمها. لو أمسكنا بطرف هذا الشيء لاهتدينا . دعونا نحاول, ولو مرة واحدة.
البعض منا يُكَتِّم حقائق تَبْرِي الأجساد، فيما يخادع نفسه, وقَبِيلَه بدعاوى عريضة, لا تمت إلى الحقائق بصلة.
[إيران] تمسك بأذناب [الأفاعي] بينما رؤوسها تنهش في كل اتجاه. تُواليها دول، وتحايد أخرى، وثالثة تمارس العمالة, والبقية ترقب عن بُعْد, ومنظمات, وأحزاب, وحركات تمثل الأذرع القذرة للتوسع المجوسي.
وشراذم تنطوي على عللها، وترقب مصيرها المخيف. وكل أشيائها على شفا جرف هار.
مجالسها النيابية ملغمة بالعملاء، وأقلياتها ملتفة متوترة، ومسألة انفجار أوضاعها مسألة وقت, ولما تزل تغالط.
[إيران] هي رأس الأفعى, والشهم من يتبع رأسها الذنبا.
أُمتنا كما العجوز الشهربة: [ترضى من اللحم بعظم الرقبة]، إذ لما تزل تطارد الأذناب، وتحز أطرافها. ورأسُ الأفعى يمج السُّم الزعاف، هنا, وهناك , آمناً, مطمئناً.
وفي كل يوم تندلق أقتاب مشكلة عصية على الاحتواء، فضلاً عن الحل. وكل مشكلة مدموغة ببلد النشأة, تماماً كالصاروخ [البالستي] الذي تشظى شمال [مطار الرياض] مُمَثِّلاً أبلغ الرسائل، وأخطر التهديد.
لقد بُحَّ صوتُ ساستنا في المنظمات العالمية، وفي [جامعة الدول العربية] وما استطعنا - على الرغم من ممارسة صيحات [النذير العريان] - أن نهدي من نحب إلى سواء السبيل؛
- اليمن مجاعة، وأوبئة، وحرب أهلية. وما أحد قرأه كما يجب.
- قطر تمارس بتشنجاتها رفسة الذبيح. وحتى الوسطاء مارسوا الحيادية المترددة.
- العراق طُمِست قوميتهُ، واختطفت عقيدته، ودُمِّرت حضارته، ومُزِّقت وحدته، وتفرعنت أقليته.
- سوريا أصبحت ملاذاً لفلول المحاربين، وتحولت كل أشيائها إلى هباء منثور، وعصف مأكول.
- لبنان أُفْرِغَت من كل محتوياتها الدستورية, والإنسانية، وارتُهِنَت لترسانة عسكرية تلتف بعباءة الحزب المقاوم للاحتلال.
- والفلسطينيون المتناحرون يزكون [حزب الله] بقية [حركة أمل] التي دمرت مخيم [صبرا وشاتيلا] وحوّلته إلى حمامات دم.
- والمشاكل الداخلية لكل دولة عربية تنذر بالخطر. فالنفوس متوترة، والآفاق مكفهرة، والمصائر مجهولة.
- والعجز الاقتصادي يعم أرجاء الوطن العربي, ويخنق كلَّ الأنفاس.
وكل ضعيف يتحدد موقفه من خلال ما يتلقاه من ثمن بخس, والابتزاز السياسي على أشُدِّه.
حتى لقد تحولت الخطابات السياسية إلى سَمْسَرَةٍ لبيع التأييد في سوق المزايدات الرخيصة.
لقد فُقِدت المواقف الشريفة، وتصوح نبت الكلمات السديدة، وأصبح لغط التسلية الذي كنا نردده حول بيع المواقف بالقَطَّاعي حقيقة ماثلة للعيان.
والإعلاميون يمارسون تزييف الوعي، والاشتغال بالأعراض, دون الأمراض.
لقد مللنا من الحديث عن ساحات الفتن، وما من متحدث يحز بقلمه [ذنب الأفعى] تذكر أنّ السم الزعاف في رأسها.
مفكرونا، وكتّابنا ألهاهم اللهب في الهشيم، ونسوا أنّ وراء اللهب موقداً، وحمَّالةَ حطب، كلما خبت زادوها سعيراً.
الشيخ الأعرابي الأعمى المقعد في زاوية الخدر، يسمع تذمر أبنائه من تواصل الاعتداءات على الشاة، والبعير، والموارد، والمراعي، وأخيراً المحارم. وكلما أسمعوه، قال لهم:- اقتلوا [ذَبَّاح الكلب]. لأنّ أول اعتداء عليهم تمثل بذبح [كلب الحراسة]، وكلما ردد تلك الكلمة قالوا:- [خَرَّفَ العَود].
والحق أنه لم يخرف، فأول اعتداء يُعَدُّ جَسَّ نبض، فإن اقتص المعتدى عليه لنفسه، وإلا امتد الاعتداء إلى ما هو أخطر، حتى يصل إلى المحارم:- {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ}.
أُمتنا العربية لم تواجه مصدر الفتن، ولم تلاحق الرأس المدبر. وما قاله وزيرا خارجية [المملكة]، و[البحرين] في مقر [جامعة الدول العربية] يقطع قول كل خطيب.
- فهل وعت أُمتنا الرسالة الواضحة؟
- وهل عاد وزراء خارجية العرب إلى بلدانهم لينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم؟.
أم أنّ المسألة مجرد شكليات، ومجاملات. وكل دولة تمثل [حليمة] التي تعود المرَّة تلو الأخرى إلى عادتها القديمة.
[إيران] منها بدأت الفتن، وإليها تعود. ومِنْ ورائها صُنَّاعُ اللعب الأذكياء, وأي مواجهة لا تكون [إيران] هدفها, تُعَد استنزافاً للجهد، والوقت، والمال، واشتغالاً في الهوامش دون المتون.
[إيران] لاعب شرس، وافقت (اللعب القذرة) هواه، وتطلعاته التوسعية العنصرية, الطائفية، فأخذ أزمتها بكل ما أوتي من جلد فاجر، وإصرار عنيد.
والأمة العربية أمام [قومية] خاب ظنها بها يوم أن دخل [العراقُ] الكويت.
وأمام [عقيدة] هزت الدعايةُ المدنية المادية الثقة بها.
وأمام [حدود] قُطْريَّةٌ متوترة.
وأمام [أحلام] طوباوية تَعِدُ، وَتُمَنيِّ بـ[الخلافة الراشدة] التي تلغي الحدود، والهويات، وتعيد بين عشية وضحاها عدل [عمر ابن الخطاب]. ونزاهة [عمر بن عبدالعزيز]. وقوة [هارون الرشيد]، وثقة [المعتصم بالله]. وبطولة [صلاح الدين]. وكأنّ هؤلاء عَيِّنَات مُغْبَرَّةٍ في رفوف مستودع الحالمين.
يا قادة الفكر، والسياسة، والدين أفيقوا، وأعيدوا قراءة واقعكم، قبل أن تفيض بكم مزابل التاريخ.
فما عاد في الوقت متسع للتسويف، والتردد. الخيار الوحيد أن نملك العثور على الطريق القاصد, لنوفر الجهد، والوقت، والمال. إشكاليتنا مع عدونا التاريخي [إيران] ليس غير.
وكتاب [وجاء دور المجوس] للكاتب المتقنع بـ[عبدالله غريب]، نسي، أو جهل، أدوار المجوس المتعاقبة منذ [أبي لؤلؤة المجوسي]، و[أبي مسلم الخرساني]، و[البرامكة]، وحرب [الأمين، والمأمون]، إلى (الخميني) وخلفه الذين أفسدوا الدين، والسياسة معاً.
لقد تعهد الفرس منذ فجر التاريخ الإسلامي إيقاد نار الحرب، ولكن الله توعّد الأعداء: {وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ}، {كُلَّمَا أَوْقَدُواْ نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ}.
لقد كنا على وفاق حذر، ومتوتر مع [الشاه] بوصفه شرطي المنطقة, وحين جاء [الخميني] ووضع يده على تلك الترسانة المخيفة للشرق والغرب, كشَّرَ عن أنيابه، وأشعل الفتن في كافة الأراضي التي وطئتها أقدام أزلامه.
وما أحد أدرك الخطر بحجمه، وخطورته. وما أحد اتخذ الموقف المناسب على الرغم من التحذير المتواصل:-
{وَإِذَا أَرَادَ اللّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ}.