خالد بن حمد المالك
يحسب للملك سلمان أنه لم يسبق أن اشتبه به بتهم تتعلَّق بالفساد على مر العقود الخمسة التي كان فيها أميراً لمنطقة الرياض، ما جعله لا يتردد عندما اعتلى سدة العرش في العام 2015م بأن يأخذ على نفسه عهداً لوضع حد للفساد، وأن يوكل هذه المهمة التي استعصت على الملوك الذين سبقوه إلى ولي العهد الأمير الشاب محمد بن سلمان الذي ترجم رغبة الملك وأنجز ما عجز عنه الآخرون بنجاح.
* *
كانت هناك ملفات كثيرة أوكل الملك مهمة فتحها لولي عهده، ومواقف ترك لسموه أن يصارح العالم بموقف المملكة منها، فجاء حديثه للصحفي الأمريكي توماس فريدمان، شاملاً وصريحاً، وجاء مضمونه يحمل رسائل إلى العالم بمثل ما قاله عن الإسلام الذي نريده في المملكة، وهو الإسلام المعتدل المتوازن، الذي ينفتح بدوره على العالم، وعلى الديانات الأخرى، وعلى جميع التقاليد والشعوب.
* *
ووفق هذه الرؤية تم السماح للنساء بقيادة السيارة، ومشاهدة النساء للمباريات في الملاعب، وتمت مواجهة المتشدِّدين أيديولوجياً، وأعلن الأمير بأنه سيدمِّر التطرف، ما يؤكِّد أن التغيير حقيقي، بدليل عدم استخدامه عبارات لطيفة مع المتطرفين كما يؤكد ذلك الصحفي الأمريكي فريدمان، والأمير في هذا الكلام لا يعمل على إعادة تفسير الإسلام، وإنما يعمل على إعادة الإسلام إلى أصوله.
* *
لاحظوا أننا قبل عشر سنوات عندما نتحدث عن الموسيقى في الرياض، فإن ذلك يعني شراء الأقراص المضغوطة (سي.دي) أما الآن فذلك يعني الحفلة الموسيقية ونوع التذكرة التي سنشتريها ومن معك سيرافقك للحفل، وهذا الكلام اقتبسه نصاً من لقاء الكاتب الأمريكي مع سمو الأمير، غير أنه لا بد من الاستدراك والتأكيد على أن المملكة لن يكون لها معايير تشبه المعايير الغربية.
* *
هناك أيضاً تغيير حقيقي سوف يمس التعليم الذي ظل الجدل حوله في كل الأزمنة من حيث مخرجاته، وثباته على مدى عقود دون تغيير، أما الآن فهناك مجموعة من الإصلاحات التي تشمل تغيير وتحويل جميع الكتب المدرسية إلى كتب رقمية، وإرسال 1700 معلم سعودي سنوياً إلى المدارس العالمية في أماكن مثل فنلندا بغية تطوير مهاراتهم التقليدية، والإعلان عن أن الفتيات السعوديات سوف يحظين بحصص للتربية البدنية للمرة الأولى في المدارس الحكومية، وغير ذلك كثير.
* *
في حوار (فريدمان) مع الأمير محمد كان للسياسة الخارجية حصة في محاور الحديث، أهم ما لفت نظري: قول الأمير عن استقالة رئيس وزراء لبنان سعد الحريري، أن الحريري -وهو المسلم السنِّي- لن يستمر في توفير غطاء سياسي للحكومة اللبنانية التي تخضع لسيطرة مليشيا حزب الله الشيعية اللبنانية، والتي بدورها تخضع لسيطرة طهران. وعن الحرب في اليمن قال إن 85 % من الأرض تحت سيطرة الحكومة الشرعية، لكن الـ15 % ما لم يتم السيطرة عليها فإن ذلك سيمثِّل مشكلة، وقال ولي العهد إن المرشد الأعلى الإيراني الداعم للحوثيين في اليمن هو هتلر جديد في منطقة الشرق الأوسط، ورأى سموه أن انتخاب ترامب رئيساً لأمريكا، هو اختيار للرجل المناسب في المكان المناسب.
* *
إذاً هذا هو الربيع السعودي الذي انتظرناه طويلاً، انفتاح على العالم وعلى الديانات والثقافات والحضارات الأخرى، تنويع في الاقتصاد، وإسلام وسطي معتدل ومتوازن، وتغيير في التعليم، وإيجاد بيئة ترفيهية تساعد على العمل، وتمكين المرأة من ممارسة حقوقها دون أوصياء عليها، شكراً سلمان، شكراً محمد.