د. جاسر الحربش
من باب خداع النفس بالأماني الكاذبة يقول الإيرانيون إن العرب بدو لا يستطيعون صناعة الحضارة، ويقول العرب إن الإيرانيين فرس مجوس لم يدخل الإسلام في قلوبهم. الوقائع التاريخية تثبت خطأ الطرفين، العرب صنعوا حضارة عالمية معترفاً بها امتدت من الصين إلى أوروبا الجنوبية، واحتوت بلاد فارس بالكامل، والإيرانيون مسلمون بالأغلبية السكانية منذ ذلك الزمن. تكمن عقدة الفرس ضد العرب كنعرة في العقل الباطن تجعلهم لا يطيقون قبول الحقيقة التاريخية، وتكمن عقدة العرب ضد الفرس في تعامل إيران مع التاريخ الإسلامي بطريقة الكمون وتحين الفرص للانتقام من العرب باعتبارهم غزاة لا مسلمين.
على الرغم من كون سكان إيران يحملون أسماء أكثرها عربية لا تخرج عن محمد وعلي وحسن وحسين وخديجة وفاطمة وزينب، لكنك عندما تسأل إيرانياً عن اسمه العربي الأصل يقول لك إن اسمه ليس عربياً بل إسلامياً، وعندما تسأل عربياً عن إسلام الإيراني يقول لك إنه مسلم بالتقية فقط، هكذا بالتعميم عند الطرفين وليس بالاستثناء النسبي. هذه النعرات سممت العلاقات العربية الإيرانية عبر التاريخ وأضعفت التعايش وفتحت أبواب المنطقة للغزاة من خارجها، وما زالت هي المصدر الأول للانتهازية السياسية وتحشيد الجماهير، علماً بأنها بصورة مصغرة ليست حكراً على العلاقة العربية الإيرانية، فهي موجودة بين شعوب إيران ضد بعضها وبين الشعوب العربية ضد بعضها كذلك. للأسف فكرة أن عرب الصحراء مجرد بدو رحل وسوف يبقون كذلك ما زالت تعشش في عقول عرب الشمال، خصوصاً الشوام والمصريين، رغم أن البوصلة الحضارية العلمية تحوّلت مرة أخرى في اتجاه الصحراء العربية.
في النهاية لن يقنع الإيراني الحامل لفيروس المرض الفارسي بأن العرب مثلهم مثل الأمم الأخرى في القدرة على الإضافة للحضارات، سوى فوز «بدو» الجزيرة العربية بالذات في السباق العلمي والإعماري الحالي المنفتح على كل العالم. المقصود هنا ليس الفوز في مضمار العمارات الشاهقة والملاعب الضخمة والفنادق الفخمة وصالات الرقص والغناء والسدح والردح، وإنما في مجالات الرياضيات والفيزياء والكيمياء والفلسفة والمعلوماتية وتشجير وري الصحاري الرملية، وقبل ذلك حسم استثمار الموارد والإدارة والعقول.
نجاح بدو الجزيرة في هذا السباق كفيل لوحده بإحداث ثورة شعبية داخل إيران على عصابة سياسية مذهبية رجعية تعدهم بخروج شخص ما من السرداب لينصرهم هم فقط ويخلصهم من جميع أعراق وديانات ومذاهب العالم. المستقبل للعلم فقط لا غير.