د. خيرية السقاف
إبراهيم خفاجي..
ليس من أذن لم تنزل حروف اسمه في مسمعها..
ولا ذاكرة لم تُعمَّر بهذا الرمز الشجي لمبدع مكيٍّ له من عذب شعرائها معين ٌزاخر
ومن ذكرى شعرائها العذريين رقتهم, وترف حسِّهم, ولين منطقهم, وشفيف عبارتهم, وإيقاع جرسهم..
كلماته كقطع سُّكر النبات المزينة بورق «القنديل المذهب» في التراث الحجازي, تغلف المشاعر بوهج الفرح كما في زفَّة العروس..
وأخيلته لا تدع في تجاويف القلوب زاوية دون أن ترشَّها بماء وردها, كما تُرشَّ مسارات المدعوِّين في ليلتها!!..
إبراهيم الخفاجي..
هو الخلاصة المعتقة للإنسان المكي الأصيل رؤيةً, وحساً, وكلمةً, ونغمة, وخيالاً, وإبداعاً, ورقة, وصفاءً..
مدرسةٌ هو, أسس فيها للشعر الغنائي أصولا, بمقاييس لا تُقاس, وبمفردات لا تُقلَّدُ, ولا تُكرَّرُ..
هو بصمةٌ في تاريخ شعر العاطفة الراقية في العالم العربي..
حفظ بها تاريخ النبض الإنساني الشفيف, الرهيف, العميق, التلقائي, الحامل لكل طبع في طبيعة الإنسان, بما فيها لمحة المعنى, ومروق الومضة , في لغة مألوفة, لكنها صعبة على التركيب كما في تراكيبه..
ولعل «النشيد الوطني» خير ما اجتمع عليه حس الناس, وتفاعل به مكنونهم الجمعي بدءا من الطفل, فالشيخ, فالمسن, وقوفا عند الشباب بوقدة حسِّهم, ووثبة مشاعرهم!..
مات إبراهيم خفاجي, ولم يمت كالذي نعهده في الباقين بصنيعهم..
في يوم جمعة, جوار بيت الله الذي كان أحد المتنفسين هواءه, الشاهقين بذرات نقائه, الزافرين بوفير صفائه, أسلم روحه الوديعة لمن خلقها فأحسن ما فيها, وغدا في تربتها ضيفا على ربِّه..
فليكرمه الله في وفادته, ولينزله برحمته جنَّته, وليجعله منعما برضاه..
هذا الشفيف الشاعر, لن يخفت ضوء لمحته..
إذ سوف لن يغفل الباحثون في الأدب أمر العناية بإرثه الشعري, ومدرسته المميزة بخصائصها, وتميز أسلوبها..
كما لن يغفل المؤرخون للشعر التصدي لمرحلته بمضامينُها, وتنوعها, تقديرا لتأريخه, وعناية برموز هذا الوطن, وهو منهم ذو بصمة في مدرسته الشعرية على مستوى العالم العربي عامة, وليس الوطني فقط.
اللهم اغفر له, وتجاوز, وأرض عنه, وأكرم, وخصَّه بالفردوس الأعلى..
رحمك الله إبراهيم خفاجي, وهذا الوطن يستيقظ كل صباح يسارع نحو العلياء, وقد تركتها شاهدة بتفردك..