جاسر عبدالعزيز الجاسر
نواصل قراءة حديث الصراحة والشفافية الذي أصبح ديدن الأمير محمد بن سلمان في أحاديثه ولقاءاته الصحفية، وهذه المرة المحاور «توماس فريدمان» الذي لا يجامل، وهوايته طرح الأسئلة الاستفزازية، إلا أن ضيفه كان ملتزماً بقول الصدق والحقيقة ومواجهة الانحراف بدءاً بالفساد ومحاربة كل ما يعوق التنمية.
مسيرة الإصلاح التي يقودها الأمير محمد بن سلمان بتوجيه ومتابعة حثيثة من خادم الحرمين الشريفين، استبشر بها السعوديون ووقفوا معها، بل واستبشر بها كل من يسعى للخير وينحاز للتنمية من خارج المملكة -عرباً ومسلمين- وحتى من خارج فضائنا العربي والإسلامي، وكما قال فريدمان «الأحمق فقط هو من لا يقف في صف هذه الحركة».
وهكذا فإن الحمقى وحدهم من لا يساندون ما تشهده المملكة من حراك وإصلاح يطال كل الأنشطة وأوجه الحياة، ومنهم «حيتان الفساد» الذين لم يوفقوا بقراءة عنوان المرحلة التي تشهدها المملكة، وعهد سلمان بن عبدالعزيز.
ومع أن السعوديين يعرفون أن سلمان بن عبدالعزيز لا يمكن أن يسمح باستمرار «الاعوجاج»، أي اعوجاج، الذي كان واضحاً له منذ الأيام الأولى لعهده الذي استبشر ببداياته السعوديون كثيراً.
خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز أول إجراء اتخذه لمواجهة «الاعوجاج» وضع أسس اجتثاث الفساد، الفساد الذي كان ينهش في اقتصاد إحدى أهم الدول النامية، الدولة العضو في مجموعة العشرين، المجموعة التي تضم أقوى الدول الاقتصادية التي يجب أن لا تضم بين صفوفها دولة اقتصادها مرتع لحيتان الفساد.
هكذا كان الملك سلمان بن عبدالعزيز الذي يعرف تماماً بأنه ليس من الممكن أن تبقى المملكة العربية السعودية ضمن مجموعة العشرين في حين تتوسع وتزداد شبكة «حيتان الفساد» التي لم تحد وتعرقل نمو دولة تسعى للحاق بركب الدول المتقدمة فقط، بل كان المفسدون يتزايدون ويصعِّدون من عمليات النهب، ولهذا كان أول إجراء لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، أنه أعطى الأوامر في بدايات عام 2015 عندما شكل فريقاً متخصصاً لجمع كل البيانات المتعلقة بالفساد لدى الطبقة العليا التي لم يقترب منها أحد سابقاً.
وقد ظل -كما أكد الأمير محمد بن سلمان لمحاوره فريدمان- يعمل لمدة عامين كاملين حتى توصلوا لجمع معلومات هي الأكثر دقة، والتي شملت أكثر من 200 اسم، والتي أكدت جدية الملك سلمان بن عبدالعزيز ورجال عهده، عهد الإصلاح ومعالجة البثور التي تشوه الوجه الحضاري للمملكة العربية السعودية، وتأكد الملك ورجال العهد الجديد أن شبكة حيتان الفساد شملت «كبار القوم» أمراء ووزراء ورجال أعمال ومسؤولين كبار، ما كان أحد يتوقع الاقتراب منهم، مجسداً نهجاً جديداً في مواجهة الفساد، نهج اجتثاث الفساد من القمة، فبعد اكتمال البيانات قام النائب العام بواجبه واتخذ الإجراءات اللازمة التي لم تستثنِ أحداً، وأخضع كل من ورد اسمه في البيانات التي جمعت طوال عامين، ليقر 95% منهم بما وُجه إليهم وطلبوا التسويات.
حملة حازمة على الفساد تتوافق مع شخصية ونهج سلمان بن عبدالعزيز الملتزمة بالحزم والحسم، حزم مع كل من خان الأمانة وسلك طريق الفساد دون أن يلتفت لاسمه ومنصبه، ليشكل عملاً يندر أن نشهده ليس فقط في الدول النامية بل حتى في الدول المتقدمة.