عمر إبراهيم الرشيد
يطلق على كرة القدم مسمّى لعبة الفقراء والأولى للغالبية العظمى من شعوب الأرض. سميت كذلك لأنّ لعبها والاستمتاع بها لا يتطلب تجهيزات معقدة، حيث يكن ممارستها على الشاطئ أو في الحي، وفي فناء المسكن كذلك، وبمقدور جمهورها متابعتها وتشجيع فرقها ومنتخباتها أينما شاء. لكن كما نعلم، فقد دخل المال وأربابه إلى دهاليز صناعة الكرة وبقوة خاصة في العشرين عاماً الأخيرة، مما أشاع الفساد في عالمها حتى لم يسلم من هذا الداء اتحاد الكرة العالمي وهو أكبر وأغنى منظمة غير حكومية في العالم. من أجل ذلك وغيره من العوامل والمؤثرات، فإنّ كرة القدم غدت صناعة تحسب لها الحكومات والمنظمات والشركات التجارية وتُعَد لها الخطط طويلة الأمد والموازنات والبنى التحتية، لذا فإنّ العشوائية أو التخطيط قصير النفس أو كذلك الفردية والمزاجية، كل هذه تودي بهذه الرياضة وصناعتها إلى التهلكة وإلى كرة رديئة وأندية ومنتخبات عاجزة عن المنافسة الحقيقية . نعلم جميعاً أنّ هناك أندية هي كيانات عريقة قائمة على أُسس تجارية، لكن خلفها مخططين ومستشارين بل وأخصائيين نفسانيين واجتماعيين ومن كل تخصص يمكن أن يسهم في تطوير هذه الصناعة. كما قلت في مقال سابق فإنّ الرياضة السعودية ومنها كرة القدم تعيش حالياً فترة تغيير وإعادة هيكلة، كما تعيش قطاعات الدولة جميعها ضمن التحول والرؤية الوطنية 2030، وأعيد القول أن رأس الهرم الإداري للرياضة في المملكة أحدث تغييراً نوعياً وتطويراً طال انتظاره وخلال فترة وجيزة ترك انطباعاً ملموساً لدى المواطن والجمهور بأنه صانع قرار يفكر خارج الصندوق، كما أولى الجانب الإنساني الأهمية المستحقة، وهل الرياضة إلا حراك وتفاعل إنساني يجسِّد نكهة الفوز بعد الجهد الشاق. وشخصية بتلك المواصفات هي أقرب من غيرها لتقبل الرأي الآخر والنقد الصادق من أجل الصالح العام وخدمة الوطن، أقول ذلك لأنّ ( علة ) إقالة المدربين المستوطنة في العقلية الإدارية هي معول الهدم لمنجزات الرياضة وكرة القدم السعودية تحديداً، وليس سراً أن حوالي ثمانية وأربعين مدرباً تولوا تدريب المنتخب الوطني منذ تأسيسه قبل خمسين سنة، فهل يصعب الاستنتاج بناءً على هذه المعلومة .
ولو عدنا إلى أمثلة حتى لا يكون الحديث عائماً، فإنّ من بين من قاد الأخضر المدرب البرازيلي كارلوس البرتو الذي حقق مع الأخضر كأس آسيا في الدوحة العام 1996م، ثم قاده للتأهل لكأس العالم إلا أنه أقيل أثناءها. الأرجنتيني كالديرون شكل توليفة من اللاعبين البارزين وخلق بينهم انسجاماً كبيراً وبمستوى رائع أقيل هو الآخر قبيل انطلاق كأس العالم التي شاركت بها المملكة عام 2006م. عام 2007 وصل المنتخب السعودي مع البرازيلي آنجوس للمباراة النهائية أمام العراق في كاس آسيا، إلا أنه خسرها بهدف وحيد لم يقلل من مستواه، ومما كان يحث هذا المدرب اللاعبين عليه أن (يلعبوا باستمتاع) أي الابتعاد عن التوتر وحسن الإعداد والتركيز على الكرة، لكنه هو الآخر أقيل بعد تلك المباراة مباشرة .
هناك عدة أسئلة بديهية لكن لابد من استعادتها ومنها، هل هناك فوز دائم بلا خسارة يستطيع مدرب في العالم ضمانها لأي منتخب كان؟. وهل هو المسئول عن الخسارة بمفرده، أم أنها تتوزع على الجميع؟. وهل بحصول المنتخب على أفضل مدرب في العالم يستطيع ضمان بطولة قارية أو دولية؟. لقد أوصل المدرب السابق فإنّ مارفيك منتخبنا لكأس العالم، فعيّن مكانه مدرب منتخب الإمارات الشقيقة، ثم أقيل بعد أقل من شهرين. فهل باستطاعة المدرب القادم وخلال الستة شهور القادمة إعداد المنتخب وخلق التجانس بين عناصره؟، لا أحد يعلم الإجابة لكننا نتمنى ذلك. ولو عملنا منذ سنوات طويلة على تكوين قاعدة مدربين وطنيين وابتعاثهم لأكاديميات عالمية، كما فعلت هيئة الرياضة الآن، لأمكننا الاعتماد على أنفسنا بدل هذا التخبط، علماً بأنّ لدينا مدربين وطنيين قادوا منتخباتنا لبطولات مشهودة، فأول بطولة حققها المنتخب كانت كأس آسيا عام 1984 مع طيب الذِّكر خليل الزياني، ندعو الله أن يوفق منتخبنا لتمثيل الوطن بصورة جميلة راقية، إلى اللقاء.