عبد الرحمن بن محمد السدحان
* يساورني شيءٌ من غيظ وأنا أستعيد في خاطري صوراً من بعض المواقف السلوكية لبعض البشر.. مرةً يأسرني الإحساسُ بهزيمة الغريق يأساً، وأخرى تنتفض نفسي تفاؤُلاً فأرفض الاستسلام، وتنتشي فرحاً انتصاراً لكرامة الإنسان الذي أعزّه الدين وأذلّته الدنيا.
* * *
لماذا الغيظ؟
* يغيظني مَنْ يغتالُ فيك الكرامةَ والموهبةَ وشجاعةَ الرأي، لمجرد اختلافك معه في الرأي، ثم يمضي (يشرّح) هويتَك في كل مجلس أمام الرفيع والوضيع من البشر، ليصمَك بما أنت منه بريء، كل ذلك لأنك اختلفت معه، لكنّك لم تصادرْ حقَّه في طرح موقف مضاد.
* * *
* يُغيظني مَنْ يأمرُ الناس بالبِرّ وينسى نفسه.. يتناسى أن ديننا الحنيف ليس عبادات تربط العبد بربه فحسب، لكنه إلى جانب ذلك وصفةٌ إلهيّة تقنّن السلوكَ السويَّ بين البشرِ، صغيرِهم وكبيرِهم، لا فضلَ لأحدٍ منهم على أحدٍ إلاّ بالتقْوى، والتَّقوى مقرُّها القلب، وصراطها الجوارحُ، سمْعاً وبصراً ولساناً ويداً.
* * *
* ويغيظُني من يُزوَّر معاييرَ السباق المشروع طلباً للعيش الكريم، فيُكْبَر المحتالَ ويُصغِرَ النزيهَ، ويبعدَ النقيَّ، ويُدني الملوّثَ ضميراً ولساناً.
* * *
* ويغيظني من يشوّهُ المثُلَ العُليا التي تقنّنُ السلوكَ بين البشر، فينعتَ كريَم الحلم بالجُبْن، وطيّبَ القلب بالضعفِ، ونزيهَ اللسانِِ بالبَلَه.
* * *
* ويغيظُنِي مَنْ يمنحُ نفسَه سلطةَ نقد (شرائحَ مختارة) من الناس، متّهماً إيّاهم بالعيب، اعتماداً على (رصيد) رخيص من ثقافة (يقولون)! ثم يُغْرق الأسماعَ بعد ذلك بـ(موشّحاتٍ) من (الوصْفات) المثالية، للتعامل مع مَنْ وما رأى فيه عيباً! ويشتدُ الغيظُ.. ويعظُمُ الأسَى إذا كان الناقدُ مِمّن إذا ذُكروا فـي المجلس، لم تحمدْ له سيرةٌ، أو يُذْكرْ بخير.
* * *
* وبعد.. إنّ احساسي بالغيظ لن يصادرَ مني فضيلةَ التفاؤل، أو يُكْرهُني على تَعْميم ما أكره من قوْل أو عَمل.. فالناس ليسُوا سواء!
* * *
* سأبقى متَفائلاً بتغيُّرِ مواقفِ النّاس سَالفي الوصفِ صوبَ الأفضل، رغم مدادِ الغيظ الذي كتبت به هذه السطور.